دشّن انطلاق قناة «الجزيرة» عام 1994 مرحلة جديدة في الأداء الإعلامي العربي، ففي الوقت الذي رأى فيه بعض الخبراء أن انطلاقتها أسهمت إلى حد كبير في تغيير آلية خطاب الإعلام في المنطقة، يرى كثيرون أيضاً أنها أسهمت بشكل مباشر في بعثرة شكل الشاشة العربية، وكسر الصورة التي ظلت محتفظة بكثير من رزانتها طوال أعوام مضت، فقد فاجأت القناة المشاهد العربي بأسلوب مهني مختلف، تجسد في بداياتها بطريقة إدارة فيصل القاسم التحريضية للحوار في برنامجه «الاتجاه المعاكس»، ما أوجد في المقابل نوعاً من عدم احترام هذا الأسلوب ورفضه، بدأته الكاتبة المصرية صافيناز كاظم، بعبارتها الشهيرة التي ردت بها على القاسم حينما لفت انتباهها إلى أنهم على الهواء بقولها: «يا رب نكون عالقمر حتى ... وأنا ما لي» ولملمت أغراضها منسحبة، تاركة المشاهد في حيرة من أمره، لتتوالى بعدها بسنوات حلقات الانسحاب وتقديم الاستقالات على الهواء مباشرة، وتعريض إدارات القنوات المختلفة للحرج، كان آخرها ما قام به مقدم برنامج «من القاهرة» على شاشة «العربية» حافظ الميرازي، الذي حول الشاشة إلى منبر خاص به، وخرج عن سياق برنامجه، ووضع شروطه أمام المشاهدين للاستمرار في البرنامج، وهو ما رفضته القناة لاحقاً، وقبْل موقف الميرازي شهدت العاصمة اللبنانية بيروت موقفاً مشابهاً كانت بطلته الإعلامية اللبنانية شذى عمر التي قدمت هي الأخرى استقالتها على الهواء مباشرة من قناة «LBC» مستغلة برنامجها «نهاركم سعيد» لنقْل تأففها وتضررها من أسلوب إدارة القناة الذي لم يرقَ لها، وفي القاهرة قدم الناقد والكاتب الرياضي المصري الدكتور علاء صادق هو الآخر استقالته من قناة «مودرن سبورت» موظِّفاً برنامجه «هنا القاهرة» للرد على الناقد الرياضي المصري مدحت شلبي الذي وصف صادق ب«الببغاء» فما كان من صادق إلا أنه قام باستغلال الشاشة في الرد على شلبي، وقذف ب«المايكات» في وجه المشاهدين، وأعلن استقالته بعد بيان طويل قرأه مفنِّداً فيه أسبابها. br / لكن اليوم يبدو أننا على موعد مع مرحلة إعلامية جديدة، تتجاوز أدواتها الاستقالة، والانسحاب، والهجوم اللفظي، إلى توجيه «اللكمات» على الهواء مباشرة، بدأتها قناة «الديمقراطية» التي تتقاسم الشاشة مع قناة «المستقلة» في علاقة غير مفهومة مهنياً، وتحول برنامجها عن تطورات الساحة السياسية العراقية الذي يحمل اسم «الديمقراطية» إلى مباراة ملاكمة بين ضيفي اللقاء العراقيين، مغيبين تماماً احترام وحضور ومتابعة المشاهد لما يحدث، ليرسخا مفهوماً مبتكراً أمام كل الأجيال الإعلامية الجديدة، يرتكز على أن الذهاب ل«الاستديو» لا بد أن يستعد فيه الضيف أو مقدم البرنامج ليس بالفكر والحجة والمعرفة، بل بالهراوات واللكمات والسلاح، وهو ما كان ينقص الإعلام الفضائي العربي ليعلن سقوط كثير من أركانه أمام متابعيه ب«امتياز». 3 لقطات تلفزيونية من تبادل اللكمات بين ضيفي قناة «الديمقراطية».