في غضون 72 ساعة فقط، أمّنت الكويت العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأسبوع الماضي إمدادات غاز بقيمة 15 بليون دولار من "بي.بي" و"رويال داتش شل" لمساعدتها في تلبية طلب متزايد. لكن لماذا تحتاج الكويت - بالإضافة إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة المجاورتين والعضوين ايضا في أوبك - إلى الغاز في وقت تحوي فيه المنطقة نحو 30 بالمئة من الموارد العالمية؟ فالغاز أهمل على مدى عقود كما ركزت هذه الدول المنتجة كل جهودها على استغلال احتياطياتها النفطية الواسعة. وتسببت خلافات سياسية وانخفاض أسعار الغاز المحلية أيضا في إبطاء وتيرة تطوير هذا الوقود النظيف وتأخير شرائه من قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. ولعل الطّلب المتسارع الناجم عن زيادة سكانية وطفرة صناعية يدفع إلى تغير تدريجي في نهج تلك الدول رغم أن استغلال الغاز في المنطقة سيحتاج إلى عدة بلايين من الدولارات. ومعظم احتياطيات الغاز بالمنطقة منخفضة الجودة وتحتوي على نسبة عالية من الكبريت وهو ما يجعل استخراجها صعبا وباهظ التكلفة. وقالت كيلي ماليكار من "آي.اتش.اس" للخدمات الاستشارية للطاقة "معظم منتجي الخام في الشرق الأوسط يدركون الآن الفوائد الاقتصادية والبيئية لزيادة إنتاج الغاز - واستيراده في الأجل القريب - في تلبية استهلاكها المتزايد من الكهرباء." وذلك بالضبط ما فعلته الكويتوالإمارات العربية المتحدة، إذ زادتا اعتمادهما على الغاز المستورد لتلبية الطلب على الطاقة خصوصا في فصل الصيف الذي يقفز فيه الاستهلاك بسبب أجهزة تبريد الهواء. أما السعودية فلا تستورد الغاز. وقد تفشل مساعي الكويت لشراء الغاز أيضا بسبب الخلافات السياسية المحلية التي طالما أجلت مفاوضات البلاد مع شركات النفط الكبرى لمساعدتها في استغلال احتياطياتها الغازية. ووقعت الكويت اتفاقا لاستيراد الغاز المسال قيمته ثلاثة بلايين دولار مع "بي.بي" لمدة خمس سنوات وآخر قيمته 12 بليون دولار لمدة ست سنوات مع شل. وفي 2011، فتح تحقيق في اتفاق بشأن خدمات الغاز مع "شل" بعد ضغوط من مشرعين كويتيين. وقالت إيمان عبيد القاضي من مجموعة أوراسيا للخدمات الاستشارية "حتى وإن كانت الكويت قد وقعت هذه الاتفاقات (مع شل وبي.بي) يظل هناك دائما خطر بأن يأتي أحد أعضاء البرلمان ويقول 'أريد استجوابا بشأن هذا الاتفاق'." ووقعت الكويت أيضا اتفاقا قصير الأجل للغاز مع قطر الشهر الماضي لكن بعض المحللين يقولون إن من المستبعد أن تعتمد الكويت على الدوحة في الأجل الطويل بسبب خلاف سياسي ناتج عن الدعم القطري للإسلاميين. في الوقت نفسه، طال الناقش حول شبكة خطوط أنابيب إقليمية من شأنها أن تنجح في حل مشكلات الإمداد لكن الخلافات السياسية تعطلها أيضا. وتقول "آي.اتش.اس" إن الطلب على الغاز في دول مجلس التعاون الخليجي من المرجح ان يرتفع بأكثر من 50 بالمئة من 256 بليون متر مكعب في 2011 إلى 400 بليون متر مكعب في 2030. وأحبطت اعتراضات من السعودية -أكبر مصدر للنفط في العالم- خطة لنقل الغاز القطري إلى الكويت في السابق. وتوجد خلافات حدودية منذ وقت طويل بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي. واعترضت الرياض أيضا على ضخ قطر للغاز إلى الإمارات العربية المتحدة لكن ذلك لم يمنع المضي قدما في مشروع "دولفين" للطاقة. وينقل المشروع حاليا نحو مليار متر مكعب من الغاز يوميا إلى الإمارات وسلطنة عمان. وتصدرت الإمارات الغاز المسال منذ السبعينات لكن الطلب المحلي المتزايد والتقدم البطيء في الإنتاج دفعها إلى الاستيراد على مدى السنوات الخمس الماضية. وعلى المدى الأبعد قد يوفر العراق أيضا إمدادات للمنطقة وإن كان يواجه حاليا نقصاً شديداً في الطاقة. كذلك من المستبعد أن تزيد إمدادات إيران التي تملك أكبر احتياطيات من الغاز في العالم بوتيرة سريعة حتى وإن توصلت لاتفاق مع القوى العالمية بخصوص برنامجها النووي ورفعت عنها العقوبات. وقال فاليري مارسيل من "تشاثام هاوس" إن إيران "تواجه عددا من العقبات من بينها ازدحام سوق الموردين وعدم رغبة جيرانها في دفع سعر أعلى لشراء الغاز فضلا عن عقباتها المالية والتشغيلية." وعرضت قطر - التي علقت مشروعات تطوير حقول الغاز الجديدة - مساعدة إيران على تعظيم الاستفادة من أكبر حقل للغاز في العالم تتشارك فيه الدولتان. وتشعر الدوحة بقلق من أن يؤدي تنقيب إيراني مفرط إلى إضعاف معدلات الاستخراج لكلا البلدين. وتوقعا لزيادة سريعة في الاستهلاك، تبحث السعودية - التي تملك خامس أكبر احتياطيات من الغاز في العالم- عن الغاز غير التقليدي فيما اعتبرته شركة أرامكو الحكومية تغييرا في استراتيجية الإنتاج من المنبع. ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الغاز الطبيعي إلى المثلين تقريبا بحلول العام 2030 مقارنة مع مستويات 2011 البالغة 3.5 تريليون قدم مكعبة سنويا. وتحرق السعودية كميات كبيرة من نفطها لتوليد الكهرباء ويحذر محللون من أن زيادة الاستهلاك ستؤدي إلى تآكل الكمية المتاحة للتصدير. وقدر وزير النفط السعودي علي النعيمي احتياطيات الغاز غير التقليدي بأكثر من 600 تريليون قدم مكعبة بما يزيد على ضعفي احتياطياتها التقليدية المؤكدة. وقال سداد الحسيني وهو مسؤول تنفيذي كبير سابق في أرامكو "هذا يعني أن الموارد ليست هي المشكلة في المملكة.. لكن المشكلة تكمن في كيفية استكشاف وتطوير وإنتاج تلك الموارد."