من المؤسف جداً أن يتحول يوم الجمعة، على رغم قداسته الدينية وطقوسه الإسلامية الآمنة، من كونه عيداً أسبوعياً من أعياد المسلمين العرب وغيرهم، يرمز للسلم والوداعة والروحانية إلى رمز للتعبير عن الوحشية الدامية التي يتجه إليها عالمنا العربي بفوضويته العارمة ليخرج الجمعة بالذات من جلبابها المقدس وروحانيتها المتناهية إلى ساحات القتال وسفك الدماء البريئة وقمع معلن للشعوب العربية التي يتطلع أبناؤها إلى التغيير، لماذا الجمعة بالذات؟! وليس السبت أو الأحد! لقد بات الكثيرون ينتظرون نهار الجمعة العنيف بمسمياته التي تطرق مسامعنا باستفزاز عجيب، فمنهم من أطلق عليها «جمعة الغضب»، ومنهم من صاغ له تسميتها ب «جمعة الرحيل» وغيرهما. في الواقع ما أن تأتي إطلالة يوم الجمعة وتشرق شمسها حتى يقبل المؤمنون على الاغتسال من أدران التقصير والمعاصي التي يجنحون إليها طوال أيام الأسبوع، استعداداً لتأدية الصلاة والتعرض لنفحات الخالق الرؤوف خلال ساعاتها العظيمة، وسرعان ما تفاجئنا اللقطات الدامية عبر قنوات الفضاء لترينا واقعاً عنيفاً رهيباً لتلامس أعيننا أشلاء ودماء الأبرياء من المتظاهرين في صور مقززة ومؤلمة؟ أي شيطان خفي يقف وراء هذا النوع من الإصلاح والتغيير الذي اختار يوم الجمعة رمزاً لحصاد البشرية وتدمير الإنسان العربي المسلم وشلّ حركته بالكامل؟ وبلا شك أنّ عاصفة الشعوب الغاضبة ورياح التغيير العاتية حتى وإن كان ضحاياها كثراً، وتأجيج المشاعر على أشدّه في نهار الجمعة أو في ليلها، إلا أنها قلبت موازين زعماء الغرب وطالت العبث بأجندة الهيمنة لديهم، فقد كانوا يساندون حلفاءهم إلى وقت قريب وبمجرد سقوطهم تنكروا لهم وانقلبوا عليهم وزعموا أنهم مع الشعوب يناصرون الحرية! فعندما حمي الوطيس انطلاقاً من كل يوم جمعة ثار فيها الثوار على أنظمتهم تزيد فيها مشاعر التخلي الغربي عن حلفائه، حتى أنهم يتبرؤون من هؤلاء العملاء، ويديرون لهم ظهورهم ويرفضون دخول هؤلاء الطغاة العملاء بلادهم حتى وإن كانوا يملكون قصوراً فارهة وعقارات ضخمة لديهم، لأن زمن الصفقة انتهى! لقد أثبتت «الجمعة» التي أرادوا اجترارها إلى أن تكون شاهدة عصر على بؤس هذه الأنظمة واعتلالها وكل مستبد يطغى ويظلم فسوف تضيق به الأرض بما رحبت، ولن يجد مأوى في الغرب ولا في الشرق إلا بشق الأنفس، أو الاختباء وانتظار الموت خوفاً ورعباً، وسنة الله ماضية ولا مفرّ! إننا أمام ريح ربانية تعيد تشكيل العالم وتسقط أركان الباطل، وما رأيناه ما هو إلا تصريف فوق تصور البشر والإعصار مستمر، إنها الجمعة التي شوهوا ساحاتها بدماء الأبرياء، ستظل عيدنا الأسبوعي الجميل، رغم أنوف الموتورين من الحاقدين، ستظل الجمعة ملاذنا الروحاني العظيم الذي يحنو علينا فيه إلهنا اللطيف الخبير، وستحلّ السكينة والطمأنينة مجدداً بعد زوال كل من يمثل الطغيان والجبروت من عالمنا العربي وفضائنا الحصين. معاذ الحاج - جازان [email protected]