مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة لمساعدة الشعب اللبناني    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي    المنتخب البرازيلي يفوز برباعية على بيرو في تصفيات المونديال    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب جزر "ماريانا" بالمحيط الهادئ    الصين تطلق قمرًا اصطناعيًا جديدًا لرصد الأرض    ارتفاع الذهب إلى 2667.97 دولارا    سمو ولي العهد يأس وفد المملكة المُشارك في القمة "الخليجية الأوروبية" المقرر عقدها اليوم في مدينة بروكسل    استمرار هطول أمطار رعدية بالمملكة    «البلسم» تجري 23 جراحة ناجحة في أول يومين من البرنامج الطبي لجراحة القلب والقسطرة للكبار في أوزبكستان    "استدارة" و "حارس البحار الذكي" ابتكاران لحماية البيئة بأيدي سعودية    «الدوليون» يؤجلون تشكيلة مواجهة «الديربي»    26 من الطيور المهددة بالانقراض تعتني بها محمية الملك سلمان    «الشورى» ل«صندوق التعليم»: طوروا مؤشرات الأداء وتوسعوا في الشراكات    بعد زيارة ولي العهد.. سندات مصر الدولارية ترتفع    5 أطعمة تجنبها عند الشعور بالغثيان    حاسب على نفسك.. جوالك فيه بكتيريا ابعده عن سريرك    1,092 عملية زراعة نفذها الروبوت خلال عام    أمير القصيم يستقبل أعضاء مجلس أهالي مركز الربيعية    البورصة الأمريكية تغلق على انخفاض    الرياض - القاهرة.. شراكة فاعلة    تقدير دولي لجهود المملكة في تنظيمات الاقتصاد الدائري الرقمي    «أمانة جدة» تستعيد تعديات على 5 ملايين م2    المنتخب السعودي يتعادل مع البحرين سلبياً في تصفيات مونديال 2026    أمير المدينة يزور «معرض القصواء» بمركز المدينة للفنون    البرتغال تضع قدماً في دور الثمانية بدوري الأمم الأوروبية رغم التعادل السلبي مع اسكتلندا    "الصحة اللبنانية": مقتل خمسة أشخاص في هجوم إسرائيلي شرقي لبنان    الهريفي ل «مانشيني»: السعودية أكبر منك    محافظ الطائف يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات    مزايا المهاجرين    أزمة الزحام.. من وجهة نظر المجتمع !    حذار من النخب المتطرفة    تكدس المشاهير ووعي المجتمع.. المعادلة تغيّرت!    العيسى يدشن المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» للتصدي لشبهات الإلحاد    قطار الرياض.. إحدى عربات القطار السعودي للتنمية    الحلقة المفقودة والمتسلقون.. واجتماع التوثيق    إسبانيا تهزم صربيا بثلاثية.. وتعادل مثير بين الدنمارك وسويسرا في دوري أمم أوروبا    «اليوم العالمي للمراقب الجوّي»    محافظ الطائف يلتقي القنصل الياباني    نائب إمير تبوك يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    سفير المملكة لدى مصر: زيارة ولي العهد إلى مصر تعكس عمق وأصالة العلاقات الثنائية الراسخة    صدور الموافقة السامية بمنح الجنسية السعودية للدكتور ريتشارد مورتيل    تدشين عيادات التمكين لمستفيدي الضمان    مجلس الوزراء يقر إنشاء كلية تقنية في جازان    الراحل «محمد الشدي» أعاد رسم ملامح الصحافة الثقافية السعودية    روضة شريفة وشخصية عائمة    آل الشيخ يوجه خطباء المساجد بأن تتضمن خطبة الجمعة القادمة التوعية بأخذ «لقاح الإنفلونزا»    د. العيسى يدشن المؤتمر الدولي "الايمان في عالم متغير"    المنتخبات السعودية تحصد 9 ميداليات ذهبية و5 فضيات في الأولمبياد الخليجي للعلوم    تجمع الرياض الصحي الأول يعقد اللقاء السنوي لأعضاء المجلس التشاوري للمرضى وأسرهم    مبادرة توعوية للكشف المبكر عن سرطان الثدي لمنسوباتها بأمانة الشرقية    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مدير تعليم مكة وعدد من المعلمين والمعلمات المتميزين    محافظ حفر الباطن يستقبل قائد قوات المجاهدين السابق بالمحافظة    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الاستيراد الثقافي كسل فكري    لرئيس التنفيذي لمجموعة شركة الدرعية: العلاقات السعودية-الصينية "لم تكن يوماً أفضل مما هي عليه اليوم"    4 مليارات ريال لمشاريع جديدة بالقصيم    أمير القصيم يؤدّي صلاة الميت على محافظ عنيزة السابق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسعد عرابي رسام التشخيص والتجريد
نشر في الحياة يوم 24 - 11 - 2017

صخبٌ ألوان وخطوط متقاطعة على دروب لا تفضي إلى مكان، سوى إلى ذاكرة متعبة من ثقل محمولاتها البصرية وتراكماتها وخياراتها الصعبة. لأول وهلة تبدو اللوحات الآتية من سفر الأمكنة للفنان والناقد أسعد عرابي، المعروضة في غاليري أيام في بيروت (حتى 6 كانون الثاني- يناير 2018) مشحونة بالقلق والمعاناة والاستذكارات الغائبة، عن نساءٍ وبيوت وأزقة ووطفولة واحلام، ثم ينكشف المسار التمهيدي لهذه التعبيرية التي استطاعت أن تشق مسافاتها العمقية إلى الوجدان العربي، على مدى أكثر من خمسة عقود من الزمن، ما بين دمشق وصيدا وباريس، حيث الولادات الثلاث التي تتنافس في أدوارها على اجتذاب ريشة الفنان إلى أحضانها وذكرياتها. ربما يكمن هنا معنى الاشتباك التعبيري الحاضر دوماً في لوحة أسعد عرابي، من هذا المكان الذي يختار أكثر من وسيط كي يعبّر ليس عن مكنونات الذات وفحوى المخيلة فحسب بل عن حال الجماعة. وقد يكون ذلك عائداً إلى شخصية المثقف والناقد التي تحتوي بدورها شخصية الفنان، فهو يمنح أعماله أبعاداً تنظيرية وجمالية ويضعها في أفق مرجعياتها الفنية التي تقع ما بين الانتماء المشرقي (ذي الاصول الاسلامية بمعاجمه الصوفية والمفردات الحلمية والحضرية) والبيئة الثقافية الغربية المكتسبة من إقامته الطويلة في باريس. وهي المعرفة الاستباقية بالمعنى الفينومولوجي phenomenology التي يعيشها الفنان كناقد، لا سيما حين يكون مهاجراً يجمع بين ضفاف متعددة الانتماءات والثقافات.
«مختارات من الذاكرة» عنوان استذكاري لتجارب انتقاها أسعد عرابي من نتاجه الممتد ما بين 2007- 2017، ليجمع ما فرّقته السنون ما بين اتجاهات ومدارس وانزياحات واختبارات، هي بين التصويري بالمعنى التشخيصي، والتجريدي بالمعنى اللاشكليّ الارتقائي، من دون إثارة انقلابات جذرية أو ضجيج، ذلك لأن المنحى الواقعي في أسلوبه ليس عيانيّاً وَصفيّاً أو استقرائيّاً، وإنما هو استذكاري وتلقائي ذو جذور عاطفية تصحو على ما تسرب من جيوب الزمن، وتسعى إلى التقاطه وتسجيله وإلباسه ثوب الراهن المتخيّل بناء على استعادة المعايشة والاستمتاع بالأشياء التي تراها العين كما لو أنها للمرة الأولى، وهي ليست إلا عين الغائب العائد إلى اكتشاف أطلال الذاكرة. وقد تستفيق هذه الأطلال على صوت كوكب الشرق أم كلثوم التي خصّها عرابي بمجموعة من الأعمال ظهرت ما بين عامي 2010- 2011، درس فيها وقفتها الأسطورية وأداءها وفرقتها الموسيقية، بأسلوب تعبيري بعيد من الإغراءات البراقة للموضوع الذي عرف صعوده في الايقونية العربية المعاصرة.
بين التذكّر والنسيان، ثمة خيط من رواية تظل ناقصة ومُغرية في نقصانها، عن حال هو بين الحنين والتأجج، والتأمل والتفكّر بما آلت اليه هذه الذاكرة من خراب ووجع وفقدان لأقبية المكان المحلوم الذي لم يعد موجوداً سوى في مشاهد متقطعة بين الحلم والحقيقة. لذا الحاجة إلى الاستدعاء للتفاصيل الحميمة التي شكّلت الوعي الأول بالمدينة والعائلة والحواري القديمة والعادات والتقاليد، وبالتالي إلى تشكيل جديد الذكريات، بطريقة حسيّة تردم الهوة بين المُغترَب النفسيّ القائم بين الماضي والحاضر، لا سيما بعدما تعدّت مسألة الغربة الإقامة والعيش والعمل في باريس، نحو اغتراب الوطن عن نفسه وماضيه وأرضه وناسه.
هكذا تبدو حال الامحاء طبيعية في ثورة أسعد عرابي على التشخيصية التي يأخذها نحو نسيان كل ما ليس له علاقة بفضاء اللوحة كمنجز تشكيلي بصري يقوم في شكل أساسي على العلاقات المتضادة بين الألوان وطرائق تصادماتها المدويّة والتشييد الهندسي الموهوم لبنائيات خطوطية توحي بأنها أحجيات مكانية مختلطة في هندستها الفوضوية وزخارفها البيانية. هكذا تتراكم البيوت وهي تسند بعضها بعضاً «في غبطة مستكينة تجمع في دعتها الساكن والمسكون... ويحتل الباب دوراً أساسياً في تخطيط الفراغ داعياً المُشاهد إلى عبور عتبة المرئي إلى مساحة الأسطورة والحلم». لذا يتحدث أسعد عرابي عن غلبة الألوان الساطعة المستعارة مجازياً من تقنيات الزجاج المعشق ثم ممارسته من قبل الفنان التجريدي الفرنسي جان بازين، وكذلك عن اتجاهين اثنين في مساره، مسار التعبيرية الألمانية ومؤثرات التراث العربي.
ولئن كانت لوحة أسعد عرابي حداثية بامتياز، فذلك لأنها تنتمي إلى حقبة مهمة من الأنطولوجيا المكانية ذات الميزة التراثية التي يحفل بها التشكيل العربي (لا سيما في العراق ومصر وسوريا وسواها)، لكنها تظل متفردة في منحاها التعبيري والوجودي والإنساني، من دون أن تدين إلى مظاهر الجمالية بشيء، وإنما تتحقق في توجهاتها من قوة التحوير الخطوطي وتشوهاته واعوجاجاته فضلاً عن كثافة التلطيخ اللوني بتموجاته وعواصفه وحرائقه. إذ تتلوى الأشكال تحت ضرباتهما العنيفة لتنقل فواجع الانسانية في حروبها ونزاعاتها من اجل البقاء، لذا فهي في إسقاطاتها تتبدى على نحو من الغريزية البدائية الشبيهة بمقاربات التشخيص في فن الكهوف بطقوسه وسرابه وعلاقاته (قامات داروينية شبه حيوانية). تلك العلاقات التبادلية بين الكائن البكر ومحيطه، تتخطى العلاقات بين الرجل والمرأة إلى طقوسية العلاقة مع الحيوان والطبيعة والكون ونظام الوجود، فضلاً عن أن التحوير الجسماني والسخرية والتضمين، وهي من خصائص غالبية التعبيريين المحدثين في الغرب وما بعد الحداثيين. وإذا انطلقنا من تعبيرية الفنان الطليعي فاتح المدرّس وعلاقتها بالسطح والفراغ والكتلة في تقاطعاتها الاختزالية المدهشة بأمواجها الزرق وبقاعاتها الترابية والحمراء، فإننا نصل مع أسعد عرابي إلى ما يكمّل هذه التعبيرية ويتخطى جمالياتها الحداثية، إن لم نقل يمشي على حطامها، في سبيل إظهار المضامين الإنسانية للواقع الأكثر بشاعة وبؤساً وتقهقراً وتعقيداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.