على رغم أنه ليست كل القصص تحكى، إلا أن بعضها تكتفي بروايتها العيون، في حياة كبار السن عبرات وخبرات لا يمكن نيلها من سواهم، بعضها قصص وحكايات قدمتهم إلى ناصية البطولة، ليثبتوا بذلك أن الإرادة ليس لها دخلاً بالعمر، وكانوا الأمل للجيل الشاب، وبعضهم الآخر يكاد قلبك ينفطر حين رؤيته، ناهيك عن حالات العجز والتي لا حول ولا قوة لها. وبمجرد زيارتك دار الرعاية الاجتماعية في مدينة الدمام ستجد كل تلك الأنواع، ستشاهد أحدهم يسير حاملاً «راديو» قديماً، ما يوحي إليك أننا في جيل السبعينات، ورجلاً آخر يلقي عليك التحية بحرارة شديدة وفي أتم الاستعداد لمساعدتك، وآخر يرغب في فتح باب الحديث معك، ولربما تشعر بالغبن حين تقابل من كنت تتوقعهم في مرحلة عجز بأنه على استعداد لفعل أي شيء يدخل السرور إلى قلبك، إضافة إلى ابتسامتهم الصادقة المرحبة بالزائر من حيث أتى. «الحياة»، التي قضت يوماً كاملاً متنقلة بين أرجاء الدار، لم تغفل عن قراءة ما بين السطور، أعين المسنين وحدها حكاية فياضة لا تتحملها مئات الفصول، ناهيك عن النظافة والترتيب الذي يتميز به المكان، ولربما تسأل نفسك كأي زائر ما حال من يعيش بدون عائلة حقيقية؟ لكن بمجرد مشاهدتك اندماجهم مع بعض قد تنطلق الإجابة من تلقاء نفسها. دار الرعاية الاجتماعية بالدمام، التي أنشئت عام 1392ه بقسميها الرجالي والنسائي هي مؤسسة اجتماعية من الفروع الإيوائية والخدمية والتي تتبع وزارة العمل للتنمية الاجتماعية، وتقدم الرعاية الشاملة والمتكاملة من الخدمات لفئة معينة من فئات المجتمع وهم كبار السن وفق شروط وضوابط محددة تتمثل بأن يكون سعودي الجنسية، ويبلغ من العمر 60 عاماً وما فوق، وأعجزته الشيخوخة ولا يستطيع تدبير شؤونه بنفسه ولا يوجد من يتولى رعايته من أسرته، وأن يثبت كل من البحث الاجتماعي والنفسي والفحص الطبي أن ظروف المتقدم تستلزم رعايته في الدار بعد درس حالته من اللجنة الفنية لقبول الحالات بالدار، وخلوه من الأمراض المعدية، والسارية، والأمراض النفسية أو العقلية التي تشكل تهديداً لسلامة المقيمين، أو خطراً على الآخرين. وتكمن رؤية الدار منذ تأسيسها في إيجاد البيئة البديلة للآباء والأمهات في جو أسري يقدم لهم بطريقة مهنية متخصصة، أما رسالتها فهي بعنوان (الكفاءة العالية). وأكد مدير الدار فهد العميرة في حديث ل«الحياة» أهمية رسالة الدار، قائلاً: «نود أن يكون الاهتمام بالمسن طوال العام، وليس مجرد احتفال سنوي»، مشيراً إلى أن الدار تهدف إلى تقديم الرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والإيوائية لكل مواطن، ذكراً أم أنثى، لمن أعجزته الشيخوخة وأصبح غير قادر على رعاية نفسه ولا يوجد من يقوم برعايته من أسرته، علماً أن الدار توفر الخدمات الرعوية لهم من طريق طاقم متكامل من فنيي عناية على مدار 24 ساعة بإشراف مراقبين ومراقبات اجتماعيين للتأكد من حصول جميع المقيمين على الخدمة على أكمل وجه، وذلك يضم المناوبين والسائقين والحراسات الأمنية الساهرة لخدمة هذا الكيان الاجتماعي الشامخ. كذلك تضم الدار الأخصائيين الاجتماعيين والباحثين وتتولى مهمات عدة، منها إجراء التقارير الشاملة للحالات التي يتطلب إلحاقها بالدار وفق فتح ملف من خلال البحث الاجتماعي، وكذلك تدعيم روابط المقيمين بأسرهم وتشجيع الأقارب على زيارتهم لتوفير محيط اجتماعي واعي، والحث على مشاركة فاعلة في تثقيف أفراد المجتمع كافة. كما توفر الدار مهمات مهمة من خلال العيادة الطبية المجهزة بالكامل مع الكادر الطبي المختص لإجراء الفحوص اليومية للحالات ومتابعتهم بشكل مستمر وتفقد أحوالهم من خلال الجولات اليومية بشكل مكثف، وإحالة الحالات التي يلزمها علاج إلى المستشفيات وإجراء الفحوص الطبية الدورية للوقوف على حالتهم الصحية، وتضم العيادة صيدلية تحوي العلاجات الخاصة بالمقيمين بالدار بأشراف طبيب الدار ومجموعة من الممرضين الذين يقدمون الرعاية الصحية بحسب تخصصاتهم. وتشمل خدمات الدار العلاج الطبيعي، الذي يقوم بعمل جلسات علاجية للمسنين، وعمل برامج علاجية ووقائية لجميع الحالات، وتقديم الإرشادات والنصائح اللازمة للمحافظة على سلامة المفاصل والعضلات والعظام والصحة بشكل عام، فضلاً عن العلاج النفسي الذي يضم الأخصائيين والأخصائيات النفسيين، ويتولى مهمات عدة، منها درس الحالات، التي تناسب قبولها في الدار، ووضع خطط علاجية تؤدي إلى استقرار نفسي للمقيمين، والمتابعة مع الطبيب النفسي الزائر من مجمع الأمل بشكل دوري، ومناقشته في تطور بعض الحالات من الناحية النفسية، وإلقاء المحاضرات التوعوية لتثقيف الجهة المستفيدة العاملة مع الحالات. وبخصوص ما أنجزته الدار للمسنين ذكر العميرة أنه «تم أنشاء ديوانية الطيبين للقسم الرجالي، للإباء خاصة، لتكون مكاناًَ يرتاده ساكنو الدار من كبار السن، والتي صممت على الطراز الشعبي القديم، والذي يعتبر قريباً إلى قلوب ساكني الدار، مذكرهم بالماضي الجميل والبساطة، التي كانوا يعيشون فيها، وإنشاء صيدلية متكاملة لحاجة المسنين مع إمكان استفادة الفروع الإيوائية الأخرى منها، إضافة إلى قاعة محاضرات لتوفير البيئة المناسبة لدعم الكادر الوظيفي، وعمل الدورات التدريبية، وورش العمل للموظفين والموظفات بالدار، والفروع التابعة للوزارة بالمنطقة، واستقطاب مدربين ذي كفاءة عالية لاكتساب مهارات وتطوير أداء منسوبي الدار، كذلك تم إنشاء مجالس شعبية للقسمين، وتهتم الدار بتنمية مهارات الآباء من خلال وجود معرض للفن التشكيلي لأحد مقيميها (الراحلين) الذي يرسم الابتسامة على وجوه من زاره من خارج الدار، أو بداخل الدار، مهتماً بالألوان الجميلة لتتحدث الجدران عن أحاسيس ترجمت إلى فن راقٍ يعرض لنفسه معرضاً من إبداعاته وإنتاجاً غزيراً من أعماله الجميلة». كما تم أخيراً، استحداث لجنة «صديق مسن»، لتلمس حاجات المسنين والعمل على تلبيتها داخل الدار وخارجها، وقمنا بتفعيل الشراكة مع المؤسسات العاملة في مجال رعاية كبار السن، مثل المستشفيات والجمعيات والمؤسسات الأهلية والحكومية، وتفعيل الأيام العالمية بتوجيهات من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وإشراف من فرع الوزارة بالمنطقة الشرقية لأهمية هذه الأيام، كلاً على حسب تاريخه وأهميته، لخدمة هذه الفئة الغالية علينا جميعاً. وتهدف البرامج والأنشطة الداخلية والخارجية التي تقدمها الدار إلى تأمين الاستقرار الاجتماعي والنفسي للمسن من خلال برامج الرعاية المختلفة، وتوفير إقامة لائقة للمسنين وعناية يومية تتناسب مع حالتهم الصحية والنفسية، وإشراك المسنين في تخطيط وتنفيذ برامج اجتماعية ثقافية مهنية ترفيهية لإبقاء المسن فاعلاً في حياته، وربط المسن مع بيئته التي جاء منها، وتنظيم الزيارات المتبادلة بينه وبين أقاربه، كذلك تسعى الدار لعمل مبادرات مع الأندية الصحية المناسبة لحاجات المسنين، وعمل زيارات تبادلية مع بعض الفروع، وإعداد برامج ترفيهية للإباء والمنسوبين، كما أقامت الدار اليوم الرياضي بهدف البعد عن روتين العمل وأعبائه، وحرصاً من إدارة الدار على التواصل مع موظفيها بشكل مستمر، وكذلك مشاركة الآباء بهذا اليوم الرياضي البهيج. كذلك تسعى الدار لتوفير بيئة للآباء والأمهات لتوفير سبل نجاح سير العمل من خلال إعداد كادر وظيفي متوافق ومتفهم لهذه الفئة الغالية على الجميع، وخلق أجواء أسرية من خلال الخدمة المقدمة من فريق العمل المناوب على مدار الساعة، يعمل بشعار «يداً بيد لنسعدهم»، وكون خدمة الآباء والأمهات، ووجودهم هي البركة.