تبدأ هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» توجهاً أوسع وأكثر قرباً تجاه الجمهور في الخليج العربي وشمال أفريقيا، بفضل أكبر استثمار مالي يأخذ مجراه أخيراً في المؤسسة، منذ انطلاقتها في أربعينات القرن الماضي. يتحدث سمير فرح، رئيس القسم العربي في «بي بي سي» في مقابلة ل «الحياة» عن الخطط الجديدة، للوسيلة الإعلامية التي تصل عبر منصاتها المختلفة إلى حوالى 43 مليون شخص أسبوعياً، 37 مليوناً عبر التلفزيون، و10 ملايين عبر الراديو، مع مليونين عبر الهواتف المحمولة. يقول إن «الهدف هو توسيع خدمات معينة ومحددة حول العالم، لمجموعات ودول نحن لا نخدمها في شكل كاف حتى اليوم». ويتابع: «أما بالنسبة إلى العالم العربي تحديداً، لاحظنا بعض الثغرات التي لم نستطع سابقاً أن نلبيها بالطريقة المناسبة، لذلك سيتم التركيز عليها من خلال هذا التوسع الجديد». ثم يضيف قائلاً: «من ضمن هذه الثغرات، وجدنا أننا لا نخدم جمهورنا في شمال أفريقيا والخليج، من مستمعين ومشاهدين سواء أكانوا شباباً أو نساءً، بالطريقة التي ترضينا. وجلّ تركيزنا سيكون على هذه المجموعات، وكذلك على الصحافة الرقمية». ولن تتغير رؤية «بي بي سي» ومعاييرها التحريرية البعيدة من «الرأي»، في التعامل مع الحدث ونقله الى المتلقي، في ظلّ التوسع المقبل نحو الشريحة الجديدة، لا سيما أن معظم الوسائل الإعلامية الإخبارية العربية تابعة لجهات سياسية. هكذا يؤكد فرح أن «بي بي سي منصة إعلامية على مسافة واحدة من كلّ الأطراف من دون أن تكون طرفاً». ورداً على سؤال حول استقالة مدير الأخبار في «بي بي سي» جيمس هاردينغ في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، للاتجاه إلى «شركة إعلامية جديدة برؤية متميزة للأخبار ورأي واضح» وفق قوله، يجيب فرح: «لا يقصد بالمعنى الحرفي أن «بي بي سي» لا تملك رأياً. بطبيعة الحال كلّ فرد منا لديه رأي، لكنّ دور «بي بي سي» كمؤسسة اعلامية ليس إعطاء رأي، إنما تقديم كلّ المعطيات للمشاهد ليكوِّن رأياً خاصاً. وهذا الفارق بيننا وبين مؤسسات إعلامية أخرى أكنّ لها كل التقدير، والتي يتجه بعضها إلى تقديم سياسة تحريرية تسمح بالتصنيفات، وهذا ما لا تقوم به بي بي سي، على اعتبار أن هذا ليس دورها. ما قصده جيمس أنه سيذهب إلى وسيلة إعلامية أخرى تسمح له القيام بذلك». وضمن خارطة التوسع، يكشف فرح أن هناك مشاريع أو خطوات قيد التحضير، ومنها ما تمّ إطلاقه كالبرنامجين الإذاعيين، «جولة مغاربية» الذي يهتم بشؤون المغرب العربي، و «الخليج هذا الصباح» الذي يُعنى بشؤون الخليج العربي. ومع التوجه الجديد، تركز «بي بي سي» على «الإعلام الرقمي» بمسار متواز مع المرئي التقليدي. يوضح فرح: «كل الدراسات التي نجريها أو التي تصل إلينا، تشير إلى أن التلفزيون لا يزال الدافع الأساس والمحرّك الأكبر للمشاهدة واستهلاك الأخبار في العالم العربي وحول العالم أيضاً. لذا، لا يمكن إهمال التلفزيون والتسليم بأن مستقبل الصحافة هو رقمي فقط وتوظيف كل الاستثمارات في هذا الإطار. إذا، يجب إيجاد التوازن المناسب، أي مواصلة الاستثمار في صحافة تلفزيونية راقية وخلق مورد مالي ضروري من أي مكان آخر للاستثمار في الصحافة الرقمية وإيجاد بنية تحتية لها للمستقبل. صحيح أن التلفزيون لا يزال يشكل نسبة 80 في المئة من كل استهلاك الأخبار، ولكن كلنا نعرف أن هناك شيئاً بالمقابل ينمو في شكل سريع ليسير مع التلفزيون، في السياق ذاته، ومن الممكن أن يسبقه مستقبلاً». وتميّز «بي بي سي» بين المحتوى التلفزيوني المعروض رقمياً والعكس صحيح، إذ تبدأ منذ الإعداد بأخذ المنصة اللاحقة بعين الإعتبار في بنية البرنامج. يقول الإعلامي المخضرم: «لا يكفي بعد الآن أن نبث برامج عبر التلفزيون ومن ثم ننشر مقاطع منها على المنبر الرقمي. هذا لا يُدرج في إطار العمل الرقمي. نحن بدأنا الاستثمار رقمياً منذ فترة، بمعنى أن التفكير بمشروع معين يكون من المنحى الرقمي أولاً. منذ نحو سنتين بدأنا الاستثمار فيه بشكل مهم». ومن الأمثلة على ذلك برنامج «تريندي» الذي انطلق قبل أسابيع قليلة، كنشرة اخبارية يومية على مدار خمسة أيام في الأسبوع، «لإعطاء المشاهد الحاجة التي يريدها من أخبار موثوقة وصحيحة من بين عشرات آلاف الاخبار التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي». وتعتمد «بي بي سي» على صدقيتها ك «مصدر موثوق» من بين «وسائل الإعلام التقليدي»، ولكن مع مواكبتها العصر الرقمي. يقول فرح: «عندما حدثت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي وأيضاً عندما تبين بوضوح أن الأخبار في الغرب تصل الى الأغلبية الساحقة من الشباب عبر الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، كان لا بدّ من المرور بمرحلة عدم الثقة بوسائل الإعلام التقليدية. ممّا جعل الأخيرة تبحث عن حلول لايجاد دورها من جديد»، مضيفاً: «بعد هذه الثورة الرقمية تبيّنت الحاجة للتأكد من مصادر الأخبار، وهنا برزت أهمية وجود مصدر موثوق يبحث بين آلاف الاخبار ليقدّم خبراً صحيحاً وصادقاً للجمهور. والسؤال هنا، هل استطعنا في ال «بي بي سي» أن نستفيد من هذا الأمر؟ نعم، من دون شك، كلّ ما عليك أن تلتفت له هو التزايد السريع لعدد المستخدمين لدينا على وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك مواقعنا الإلكترونية وعلى قناتنا على التلفزيون أيضاً بحيث استقطبت «بي بي سي العربية» أخيراً خلال سنة خمسة ملايين مشاهد إضافي».