تتوعد جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر بإنهاك واستنزاف قائد الجيش السابق الذي اطاح بها من حكم البلاد ويبدو على وشك الفوز بانتخابات الرئاسة الأسبوع المقبل، غير عابئة بحملة القمع الشديدة للسلطات ضدها. وقد تعهد المشير المتقاعد، عبد الفتاح السيسي، الذي عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي المنتمي ل"الإخوان" والذي يعد المرشح الأوفر حظاً في انتخابات الرئاسة في 26 و27 أيار (مايو) الجاري، بالقضاء على "الجماعة" خلال سنوات حكمه. ومنذ عزل مرسي في الثالث من تموز (يوليو)، جرى إعتقاله رفقة قادة جماعة "الإخوان المسلمين" وقدموا جميعاً للمحاكمة. وقتل أكثر من 1400 شخص، معظمهم من الإسلاميين، في صدامات مع الشرطة في الشوارع. وتبدو جماعة "الإخوان المسلمين" في البلاد متماسكة وقادرة على التكيف مع المتغيرات الجديدة بل وحتى أكثر راديكالية. وقد تواصلت تظاهراتها الأسبوعية وإن كانت بأعداد أقل. وقال عضو في "الجماعة" إنه عندما يعتقل أو يقتل أحد من القيادات الوسطى في "الجماعة"، فإن آخر يأخذ موقعه بسهولة. وفي مقهى في القاهرة، قال عضوان مخضرمان في "الجماعة" إن سنوات من التعليم والتلقين أعدتهما لهذه اللحظة. وصرح أحدهما طلب التعريف عنه بإسم مستعار هو أحمد "كإخوان مسلمين، جرى إعدادنا نفسياً للمدى الطويل". وتحول الرأي العام في مصر جذرياً ضد جماعة "الإخوان المسلمين" بعد عام من حكم مرسي المثير للإنقسام. وطالب الملايين في الشوارع برحيله قبل أن يطيح به الجيش. وعطلت حملة القمع قيادة "الجماعة" التي لا يستطيع قادتها المسجونين الآن توجيه رسائلهم إلا عن طريق زائريهم من أقاربهم وأصدقائهم. وحلق أحمد لحيته الطويلة، وتحدث بصوت خفيض عبر الطاولة في الجهة المقابلة لسيد، وهو عضو مخضرم آخر نجا بحياته بصعوبة من تظاهرة غدت دامية وقاتلة في آب (أغسطس). وقال سيد، وهو أيضاً إسم مستعار أيضاً "نحن نؤمن أن نبياً وعظ في الناس لمدة 950 سنة واكتسب ثمانين تابعاً فقط. إنها عقيدتنا"، في إشارة إلى قصة النبي نوح كماء جاءت في الإسلام. وفي مجموعة أحمد، المكونة من ثمانية أشخاص والمسماة في "الإخوان المسلمين" ب "الأسرة"، إعتقل شخص واحد. وتكوّن عدة أسر، وحدة أكبر تسمى "شعبة"، وتكون عدة شُعب ما يسمى ب "منطقة". ولم يصب كثير من شعبة أحمد بأذى، رغم أن رئيسها قتل في تظاهرة تخللتها مواجهات مع الشرطة. وقال "وفقاً للقواعد نائبه حل محله لكنه إعتقل لاحقاً فعيّن أعضاء المجلس شخصاً آخر على عجل". ويقول أسندر العمراني مدير إدارة شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية لوكالة فرانس برس، إن "الجماعة" عدلت توقعاتها. وأضاف "لقد ظنوا الصيف الماضي أنها مسألة أشهر"، مشيراً إلى معارضة "الإخوان" للحكومة التي عينها الجيش عقب الإطاحة بمرسي. ويجادل بعض أعضاء "الإخوان" للقيام بهجمات مسلحة ضد الشرطة مماثلة لتلك التي يقوم بها المسلحون الذين يستلهمون أفكار "القاعدة" وقتلت نحو 500 رجل شرطة وجيش منذ عزل مرسي. واعتبرت الحكومة الإنتقالية "الإخوان المسلمين"، "تنظيماً إرهابياً" لكن من دون تقديم أي دليل ملموس على ضلوع "الجماعة" في الهجمات القاتلة ضد الأمن. وأفاد ناشط آخر، أن بعض أعضاء "الإخوان" وحلفاء لهم بدأوا مهاجمة سيارات الشرطة فيما يقوم آخرون بالإستقصاء عن ضباط مشاركون في حملة القمع من أجل محاسبتهم في نهاية المطاف. وقال "أقوم بجمع معلومات حول الشرطة"، مؤكداً أنه "سيكون هناك إما عدالة رسمية في النهاية، أو أن الناس سيأخذونها بأنفسهم في فترة الفوضى". ويقول سيد إنه في أعقاب الفض الوحشي لإعتصام الإسلاميين في القاهرة، والذي خلف قرابة 700 قتيلاً في 14 آب (أغسطس)، فإن كثيرين من أعضاء "الجماعة" أرادوا ردّ الهجوم. وقتل عشرات من رجال الشرطة في هجمات لحشود في الأيام التي تلت هذا اليوم، بالإضافة لمهاجمة كنائس المسيحين الذين اتهموهم بدعم عزل مرسي. وأفاد سيد أن الأعضاء الأكثر حنكة، يؤمنون بأن الماضي المسلح للجماعة التي أسست في العام 1928 ونبذت العنف في سبعينات القرن المنصرم، قد دمر الجماعة تقريباً. ولجأت "الجماعة" التي حظرت في كل العهود، حتى أطاحت ثورة شعبية حسني مبارك في 2011، إلى تنظيم قواعدها الشعبية. ويقول سيد "لا يهم ثمن التظاهرات السلمية، فثمن القيام بهجمات سيكون أعلى". ووافق أحد كبار قادة "الجماعة" على التحدث لفرانس برس، شرط عدم كشف هويته. وقال في مقابلة عبر الهاتف إن "الإقتصاد ينهار. الإنقلاب لا يستطيع قيادة البلد بهذه الحالة. الدولة ستنهار. لن يستطيعوا مواصلة ضرب المظاهرات واعتقال وقتل الناس لمدة سنتين. هذا مستحيل".