إلى السادة في عواصم القرار، المشكورين على التفاتتهم الكريمة نحو الشعب الليبي بعد معاناته المستمرة منذ 42 سنة. نعتذر سلفاً عن تطفلنا على مباحثاتكم المهمة الهادفة الى تقرير مصير هذا البلد البائس المبتلى ب «آفات» عدة، أهمها النفط وموقعه الإستراتيجي على الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط. تلقينا ببالغ الاهتمام تسريباتكم حول حسمكم القرار بإزاحة الطاغية معمر القذافي عن الحكم في ليبيا بطرقكم الخاصة، ولسنا - والعياذ بالله - في وارد التساؤل عن سبب انتهاء مدة صلاحيته بالنسبة إليكم، ولا مغزى سحب تفويضكم له بتولي شؤون أمن آبار النفط الليبية، التي صودف للأسف وجود سكان في محيطها يُطلقون على أنفسهم تسمية الشعب الليبي. كما يهمنا ان نطمئنكم إلى أننا لسنا في وارد سؤالكم عن تكاليف هذه العملية الجراحية الدقيقة التي انتم في صددها، حالنا حال مريض نقل الى غرفة الطوارئ ولا يملك ان يناقش الطبيب الجراح في تكاليف العملية ولا في مجرياتها، بل قد يتطفل بمنتهى الحياء للسؤال عن فرص خروجه سالماً بعد العلاج. ولئلا نتهم بالثرثرة والسماجة، نُرفِق إليكم بعض أفكارٍ حول أحلامنا وتطلعاتنا، علّها تتوافق مع رؤاكم لمستقبل بلادنا المنكوبة، وهي بشكل موجز: - رغبتنا في بقاء ليبيا موحدة، لا لشيء سوى مراعاة الروابط والعلاقات الأسرية بين سكان البلاد، والتي ستجعل من الصعوبة عليهم الوقوف في طوابير للحصول على تأشيرة للتنقل بين طرابلس وبنغازي او أي منطقة أخرى. - سعْيُنا الى إحلال دولة القانون والمؤسسات، وفي ذلك خدمة أيضاً لمصالح مستثمريكم وشركاتهم، ولعلكم لاحظتم في الفترة الأخيرة الصعوبات التي اعترت العلاقات بين القذافي ودول غربية أخرى، لن نوردها الآن، لتفادي تشويش أفكاركم النيِّرة بذكريات منغِّصة. - غني عن القول أننا على استعداد لمواصلة تزويدكم النفط ومشتقاته، وبحسب الأسعار التي تحددونها في الاسواق العالمية، ذلك اننا لا نملك استخدامات أخرى لهذه المادة سوى غسل ايدينا بها، ولهذه الغاية يبدو الصابون بالنسبة الينا وسيلة عملية أكثر. - نلفت عنايتكم الكريمة الى أن لا أطماع لدينا في المحيط الإقليمي سوى علاقات حسن الجوار، كما أننا ننفي نفياً جازماً ان تكون لنا أي علاقة في دفع آلاف من لاجئي القوارب الأفارقة في اتجاه السواحل الاوروبية، ونستهجن هذه الهجرة وأسبابها. - حرصاً منا على الحد من هجرة الشباب الليبي الى الخارج، الأمر الذي يسبب ازعاجاً لدول الغرب التي تستضيفهم، وعناء لهم في الاستحصال على تأشيرات وتصاريح إقامة مناسبة، نقترح تخصيص جزء من الموارد الليبية لتوفير فرص عمل مناسبة لهؤلاء الشباب. - عطفاً على ما سبق، فإن توفير فرص العمل لا بد أن تسبقه عملية تأهيل علمي في مدارس ومعاهد وجامعات مناسبة، وإعادة إدخال اللغات الاجنبية بشكل مناسب في مناهج تلك المؤسسات، لتسهيل التواصل بيننا وبينكم، وذلك خلافاً لقرار كان اتخذه الحكم السابق بتحريم وضع تلك اللغات في متناول الطلاب. - لعلكم تدركون أيها السادة مدى تدهور مستوى الرعاية الصحية في بلادنا، ما يضطر مواطنينا للسفر الى الخارج لتلقي العلاج، لذا نقترح استحداث منشآت صحية في ليبيا تكون تحت إشرافكم وإدارتكم، تعويضاً عما ستخسره المؤسسات الطبية في بلادكم من عائدات تحصل عليها من علاجها المرضى الليبيين. - يسرنا ان نبلغكم أيضاً ان لدينا مساحات شاسعة من الأراضي التي يمكن استثمارها في الزراعة لتعطي محاصيل فاخرة نضعها في تصرف أسواقكم، كما لا يخفى عليكم ان لدينا معالم سياحية قد يوفر الاستثمار فيها متعة وبهجة للسياح الكرام من بلدانكم، علماً ان هذا الامر قد يتطلب في بداياته قليلاً من البنية التحتية في مجالات الإقامة والتنقل لوضعها في تصرف الزوار الكرام. - حبذا لو يتوافر على هامش هذه الاقتراحات بعضٌ من حرية التعبير والإعلام، وقدْر محدود من الديموقراطية يتيح لنا انتخاب ممثلين لنا، يكونون معتدلين ومتسامحين مثلنا، وذلك لتفادي تسلل عناصر متطرفة الى مجتمعاتنا تنادي بالكراهية للغرب وتعارض كل أشكال التقدم والازدهار. كما تلاحظون، فإن هذه الاقتراحات لا تبدو تعجيزية، كما أن معظمها مستقى من شرعة حقوق الإنسان المعتمدة في دول الغرب، ولا تشكل في أي حال محاولة للتطاول على حقوق الغير. نرجو ان تبلغونا في اقرب فرصة مناسبة بالموعد المقترح لتفكيك ما تبقى لكم من معدات قديمة في باب العزيزية، كي يتسنى لنا تحذير المدنيين من عدم الاقتراب من ذلك المكان. كما نلفت عنايتكم الى ان ثوارنا في الجبهات والمدن المحاصَرة مستعدون لبذل المزيد من التضحيات بما يمتلكون من قدرات متواضعة، في انتظار قراركم تزويدهم أسلحة وإمكانات تعادل تلك التي زودتم بها وكيلكم السابق. أخيراً، نمي الى مسامعنا ان القذافي يستخدم جزءاً من منظومة الأنفاق التابعة ل «النهر الصناعي العظيم» للتنقل وتخزين الأسلحة، لعل في ذلك ما يساعد على تعقب أثره في حال اختفائه. ول «خرافة» النهر الصناعي «العظيم» قصة، يضيق المجال هنا عن ذكرها، ربما نوردها في رسائل أخرى اليكم. ودمتم قادة محبين للسلام والعدل والديموقراطية. * صحافي من أسرة «الحياة»