لم يتمكن الجزائريون من ضبط علاقة سياسية واضحة وثابتة مع السلطات الليبية الجديدة بعد سقوط نظام معمر القذافي على رغم محاولات التقارب المتكررة التي بادرت اليها الحكومة الجزائرية، والذي ظل عالقاً بين البلدين لم يكن إشكال اتفاقات يوقعها الرسميون، إنما توتر لم يزل بسبب ما اعتبره الليبيون في وقت سابق وقوف الجزائر الرسمية إلى جانب القذافي وإيواءها أفراداً من عائلته تقول اليوم أنها رحلتهم الى بلد عربي آخر. ولم يكن في إمكان علاقات الجزائر بالسلطات الليبية ما بعد الثورة أن تجد طريقاً جديداً للود لولا دور بارز وخفي أدته تونس الرسمية في وقت لم يكن سهلا ًعلى الجزائر أن تخطو في اتجاه طرابلس بسبب الإتهامات التي سيقت ضدها في خضم الثورة الليبية بسبب دور مزعوم للحكومة في مد القذافي بالسلاح والمرتزقة وفتح الحدود لمسلحين طوارق للقتال إلى جانب القوات النظامية، وما كادت زوبعة تلك الإتهامات تهدأ حتى برزت موجة توتر جديدة بسب إيواء الجزائر أغلب أفراد عائلة معمر القذافي التي فرت باتجاه ولاية إليزي في الجنوب الشرقي الجزائري بضعة أيام فقط قبل مقتل القذافي. ويبدو واضحاً أن السلطات الجزائرية حاولت بعث إشارات إيجابية كثيرة تجاه الحكومات الليبية المتعاقبة، ويمكن من خلال عدد الزيارات الثنائية ما بين الدولتين في الشهور الأخيرة تصور سبب مسارعة الجزائريين إلى لفت انتباه الليبيين أن التوتر لم يكن سوى صفحة وانتهت، فالجزائر التي رحبت ب «تطبيع» العلاقات سياسياً مع طرابلس كانت عينها على الملف الأمني أكثر من أي شيء آخر، فهي أكثر دول المعمورة التي عبرت عن مخاوف من خزان السلاح المنتشر في ليبيا، ومن مصير الآلاف من المقاتلين الطوارق الفارين من ليبيا باتجاه شمال مالي، ويكفي فقط الإشارة إلى أن مؤسس الحركة الإنفصالية الأزوادية في شمال مالي هو طارقي مالي سابق أصبح عقيداً في كتائب «المغاوير» التي كانت تستقر في عمق الصحراء الليبية وتشكل النواة الدفاعية الأولى في الجيش الليبي المنهار. واستقبلت الحكومة الجزائرية على أراضيها عدداً من المسؤولين الليبيين في عز أزمة الثقة بين الدولتين، فلقاء الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مطلع 2012 في احتفالات الرئاسة التونسية بالذكرى الأولى للثورة برئيس المجلس الإنتقالي السابق مصطفى عبدالجليل، كان بوابة تطبيع محتشم لم تحصل من خلاله الجزائر على هدفها في الدفع بالحكومة الليبية لإعلان التزام واضح بتأمين الحدود البرية المشتركة بين البلدين على طول ألف كيلومتر، ولم يتحقق هذا الهدف أيضاً مع رئيس الحكومة السابق علي زيدان، على رغم أن الجزائر في فترة توليه الحكومة استجابت لعدة شروط ليبية، أولها كانت الموافقة على تعيين محمد مختار أحمد مازن بصفته سفيراً لليبيا لدى الجزائر، ويعد محمد مختار أحمد أول سفير لليبيا بعد سقوط نظام القذافي في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2011، وذلك خلفاً للسفير عبدالمولى سالم غضبان الذي تقدم بطلب إلى السلطات الجزائرية لمنحه حق اللجوء السياسي بعد سقوط نظام القذافي. ولعل الأحداث المتفجرة في ليبيا في الآونة الأخيرة قد تعيد قاطرة التعاون إلى نقطة الصفر، ما يعني أيضاً إلغاء جميع الاتفاقات التي تمت في شكل ثلاثي (تونس الطرف الثالث) منذ اللقاء الشهير في غدامس الليبية بحضور رؤساء حكومات الدول الثلاث.