تعيش إيران حالة من التخبط الواضح في سياساتها الإعلامية والسياسية، وهذه الخطابات مليئة بالتناقضات الواضحة والمكشوفة، فنجد مثلاً خطابها الإعلامي يتباكى بالتأييد للثورات العربية في ليبيا واليمن مثلاً، ويغض التطرف عن ثورة مشابهة في دولة عربية حليفة له، فإذا كان الدعم الإيراني لهذه الشعوب العربية التي تقود التغيير، فلماذا الاستثناء لهذا الشعب العربي الذي يعبر عن إرادته الحرة؟ والغريب أن محطات التلفزة التابعة والدائرة في الفلك الإيراني تتناسى الثورة الشعبية لهذا البلد، الذي لا يبعد عنهم سوى عشرات الكيلومترات.إذن القضية ليست حباً في شعوبنا وتحررها من أنظمة شمولية تحكمها منذ عشرات السنوات، بل هي استغلال لهذه الحال حتى تجني بعض المكاسب السياسية في حال نجاح هذه الثورات العربية، وقد يكون من الواقعي أن يقال إن إيران لها الحق في البحث عن مصالحها في أي بقعة من العالم، مثلها مثل أي دولة في العالم، وهذا لا يختلف عليه أحد. لكن مشكلة النظام الإيراني أنه يعيش تناقضات مكشوفة في داخله، فنحن نتابع القمع والاضطهاد للقوى الإصلاحية في الداخل الإيراني، إضافة إلى قمع بعض المواطنين الإيرانيين على أسس مذهبية وإثنية، ففي اعتقادي أن مثل هذه التناقضات الإيرانية تعبر عن حال ضعف، وكما هو معروف فإن مثل هذه الأنظمة تصدر أزماتها للخارج للإبقاء على نظامها المتهالك في الداخل، فافتعال التوترات في منطقة الخليج العربي يساعد إيران في تسويق خطاب متشدد ومدافع عن نظام حكمها في الداخل الإيراني، فمن خلال هذه الأزمات مع دول الجوار يؤجل النظام الإيراني الثورة الشعبية الحقيقية في إيران. إن التناقض الإيراني واضح في اللعب على وتر الثورات العربية، فمرة يقف مع هذا الشعب على أساس طائفي، ومرة مع ذاك الشعب العربي على أساس الدفاع عن حقهم في إزالة الأنظمة الشمولية، وكأن النظام الإيراني هو قمة الديموقراطية والعدالة، ليس لشعوبنا، ولكن على الأقل لمواطنيها الذين يعيشون تحت ظروف صعبة جداً من حيث حقهم في التعبير، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتهالك للمواطن الإيراني، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، بسبب برنامجها النووي الذي تحاول من خلاله امتلاك القوة النووية، وكأنها تعيش في بؤرة محاصرة من الأعداء، والصحيح هو العكس، فالتصريحات الإيرانية الأخيرة ضد دول مجلس التعاون الخليجي، وشبكات التجسس في بعض دول مجلس الخليج، تؤكد أن إيران لديها، ومع الأسف، مخططات للعبث بأمن دول مجلس التعاون إذا استدعى الأمر ذلك. بعض القوى العربية التابعة لإيران، التي لعبت على وتر الوطنية والمقاومة وأزعجتنا بهذه الاسطوانة، أصابها الشرح في هذه الأزمة التي تعمل عليها إيران ضد دول مجلس التعاون العربي، فنجد حركة حماس مثلاً، وهي حركة تحرر وطنية فلسطينية تقود المقاومة ضد إسرائيل، تقف إلى جانب نظام عربي يذبح شعبه، لأنه يريد الانعتاق من الظلم والقهر السياسي، لأن هذا النظام له تقاطعات مع إيران، وهو الذي يدعم حركة حماس، إذن القضية ليست قضية مبادئ ضد الظلم والانتفاضات والثورات، بل هي قائمة على أساس نفعي وليس كما تدعيه إيران أو إتباعها مثل حركة حماس أو حزب الله، فإذا كانوا صادقين فليقفوا مع كل الشعوب العربية في ثوراتها، أما الانتقائية فلا تنطلي إلا على البسطاء في عالمنا العربي. وحتى يكون البيت الخليجي قوياً أمام مثل هذه التدخلات الإيرانية وغيرها، التي بدأت مع محاولة تصدير الثورة الإيرانية لنا في بداية أيام الثورة في إيران، والتي وقف لها صدام حسين ومن خلفه الأمة العربية، التي كان الكثير منا يعتقد أنها كانت حرباً مجنونة، إلا أن التاريخ أثبت أن الأمة العربية القوية هي الأساس في الدفاع عن أمننا الإقليمي العربي، فمع عراق ضعيف تمادت إيران ويمكن أن تدفع المنطقة إلى حروب جديدة، مثل هذا المشهد يؤكد على أهمية إصلاح سياسي حقيقي في دول مجلس التعاون الخليجي لجميع مكونات شعوب المنطقة حتى لا تكون أهدافاً سهلة لمثل هذه المخططات الإيرانية. [email protected]