مرت على سعوديين وعرب كثر عبارتا «من أين لك هذا»؟ أو «كائناً من كان»، في سياق قرارات وأنظمة ومدونات تراثية عدة، إلا أنهم قل أن يبصروا ترجمتهما رأي عين، على الطريقة، التي كانت ليل أول من أمس، في السعودية، التي أعلن ملكها حرباً على الفساد، بهيئة عليا، لم يجف حبر إقرارها حتى تلاحقت الأخبار، تلسع وسائل التواصل، تعلن إخضاع عشرات الأمراء والوزراء والمسؤولين للملاحقة والحجز الاحتياطي. وكانت الإجراءات، التي تلت إصدار مرسوم إنشاء اللجنة العليا، برهنت على نفاد صبر القيادة السعودية الجديدة، نحو تغليب ضعاف النفوس، بحسب تعبير البيان، «مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، والعدوان على المال العام من دون وازعٍ من دين، أو ضمير، أو أخلاق، أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة، التي أؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام، وإساءة استخدامه، واختلاسه، متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة». ومع أن السعوديين لم يفاجؤوا بالكثير من التفاصيل المحيطة ببعض الأسماء، والملفات المعلنة، إلا أن الذهول كان من هول الصدمة، أن تكون ملاحقة الفساد يمكن أن تتم على هذا النحو من الشفافية والحزم، الذي طبق عملياً مقولة «كائناً من كان»، التي كانت في ما سبق من قرارات إدارية وحكومية، أشبه بعبارة للاستهلاك، إلا أن تعهدات ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بهذا الصدد، كان إيقاعها مختلفاً. وفي مشهد التفاعل مع الأمر الملكي كانت الأصوات الشعبية طاغية في التعبير عن أسباب بهجتها بالخطوة الملكية، فهنالك من يراها جسدت العدالة في إيقاع العقوبة على المفسدين كافة، وليست فقط معنية بصغار المتجاوزين، ذلك أن من يسميهم السعوديون ب«الهوامير» اعتادوا في مناسبات عدة، الإفلات من العقاب، لاعتبارات عدة، لم تعد اليوم في الحسبان، في وقت شدد فيه البيان، الذي صاحب إنشاء اللجنة، على السياق نفسه، مؤكداً أن الدولة لن تتوانى في «تطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام، ولم يحافظ عليه، أو اختلسه، أو أساء استغلال السلطة والنفوذ في ما أسند إليه من مهمات وأعمال، إذ نطبق ذلك على الصغير والكبير، لا نخشى في الله لومة لائم، بحزم وعزيمة لا تلين، وبما يبرئ ذمتنا أمام الله سبحانه، ثم أمام مواطنينا». ولأن موجة الفساد العاتية، توظفها أطراف عدة، نبه القرار الملكي إلى أن التحركات في هذا الملف، إنما تستهدي بروح الشريعة، التي نددت بالفساد والمفسدين في آيات، مثل (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، وأحاديث نبوية، كان بين أشهرها قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، وهي استشهادات ذات مغزى، يفهمه القانونيون والمعنيون بروح الأنظمة والقوانين السعودية، التي تستند جميعها إلى الكتاب والسنة، بحسب النظام الأساسي للحكم. وكانت السعودية أنشأت قبل بضع سنين هيئة لمكافحة الفساد (نزاهة)، إلا أن مطالبات عدة، اعتبرت تحركاتها خجولة مقارنة بانتشار وباء الفساد في المشاريع والجهات، وتحتاج إلى تحرك جهات عليا، على النحو الذي تم، وهو التحرك الذي اعتبره البيان الملكي بأنه جاء بعد الإيمان بأنه «لن تقوم للوطن قائمة ما لم يتم اجتثاث الفساد من جذوره، ومحاسبة الفاسدين، وكل من أضر بالبلد، وتطاول على المال العام».