بدأت السعودية عهداً جديداً من الشفافية والمحاسبة والحوكمة، بإعلانها الحرب على الفساد، وأوقفت اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد دقائق من إعلان تشكيلها ليل أول من أمس (السبت) بأمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، 11 أميراً و38 وزيراً ونائب وزير حاليين وسابقين، إضافة إلى عدد من رؤساء الشركات ورجال الأعمال. وأبرز التهم الموجهة إلى الموقوفين في قضايا الفساد هي غسيل الأموال، والتلاعب في أوراق مشاريع مدن اقتصادية، واختلاسات وصفقات وهمية، وتوقيع صفقات غير نظامية، وترسية عقود في مقابل الحصول على رشوة. وحظيت قرارات اللجنة بردود فعل إيجابية للمواطنين السعوديين، الذين أجمعوا على أنها ستكون بداية لتصحيح الأخطاء وتسريع عجلة التنمية، إضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتوطيد قيم النزاهة والعدل والمساواة في المجتمع وتسريع وتيرة الإصلاح والتطور في شتى المجالات. وأبدوا ارتياحهم لإيقاف عدد من كبار الأمراء والوزراء ورجال الأعمال بعد اتهامهم بالفساد، ومنح رشاوى، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي تصريحاً سابقاً لولي العهد، أكد فيه أن لا حصانة لأحد عند مكافحة الفساد وقال: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواء كان أميراً أو وزيراً، ومن تتوافر ضده الأدلة الكافية سيحاسب». وأعادت اللجنة فتح ملف قضية سيولجدة التي تعود إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، عندما اجتاحت السيول مدينة جدة، وأدت إلى مصرع 116 شخصاً وأكثر من 350 اعتبروا في عداد المفقودين، كما فتحت تحقيقاً في قضية وباء كورونا بسبب شبهات فساد مالي، تتعلق بعقود أُبرِمت وخُصِّص لها بليون ريال من موازنة مكافحة الوباء، على رغم عدم وجود صلة لها بإجراءات المكافحة أو الوقاية، كما شملت العقود مجالات التطوير والاستشارات والتوظيف والنقل الجوي، إضافة إلى استئجار مختبرات وأجهزة متنقلة لم يُستفَد منها، وأخرى تتصل باستئجار مجمعات سكنية وأجنحة فندقية بملايين الريالات. وقال النائب العام الشيخ سعود بن عبدالله بن مبارك المعجب إن «المشتبه بهم يملكون الحقوق ذاتها والمعاملة ذاتها كأي مواطن سعودي»، مضيفاً أن «منصب المشتبه به أو موقعه لن يؤثر في تطبيق العدالة». وفي أول رد فعل لقطاع مرتبط بأحد الموقوفين، أوضحت شركة «المملكة القابضة» أمس أنها على اطلاع على الأخبار التي يتم تداولها في شأن رئيس مجلس إدارتها الأمير الوليد بن طلال، مشيرة إلى أنها «مستمرة في نشاطها التجاري كالمعتاد». وقالت الشركة في بيان صحافي: «تلقى الرئيس التنفيذي تأكيد دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين شركة المملكة القابضة، وكلنا فخر بهذه الثقة والتي نحن بإذن الله أهل لها»، مؤكدة «التزامها التام بأعمال الشركة واستمرارها في خدمة مصالح مساهميها وكل من له مصلحة بها». وأكد وزير المال السعودي محمد الجدعان، أن الأمر الملكي القاضي بتشكيل لجنة عليا لحصر قضايا الفساد يأتي في إطار تكريس دولة القانون وفق المعايير الدولية، وتفعيل أنظمة مكافحة الفساد. وأوضح أن عمل اللجنة يصبّ في ضمان حقوق الدولة وحماية المال العام، مشدداً على أن القرارات تعزز ثقة المتعاملين ببيئة الأعمال التجارية والاستثمارية في المملكة. وأشار إلى أن الإجراءات تأتي وفق أسس نظامية ترتكز على العدالة والمساواة وحماية حقوق الأفراد والجهات الاعتبارية والمال العام، قائلاً: «حكومة المملكة بهذه القرارات تدشن عهداً ونهجاً من الشفافية والوضوح والمحاسبة». ورأى وزير الثقافة والإعلام عواد بن صالح العواد، أن القرار سيكون له أثر إيجابي كبير على أبناء المملكة، وذلك من خلال إعادة الأموال المنهوبة من دون وجه حق للاستفادة منها في مشاريع التنمية، إضافة إلى إعادة عشرات الملايين من أمتار الأراضي المستولى عليها بغير وجه حق للاستفادة منها في حل مشكلات الإسكان. وثمّنت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء عالياً أمر خادم الحرمين الشريفين بتشكيل اللجنة. وقالت في بيان أمس: «إن خادم الحرمين الشريفين منذ توليه سدة الحكم جعل محاربة الفساد والمفسدين في مقدم أولوياته، من دون أي تهاون مع الفساد بكل مستوياته، مالياً وإدارياً، بما يبرئ الذمة أمام الله تعالى ثم أمام شعبه». واعتبرت الأمر الملكي «أمراً إصلاحياً تاريخياً، يأتي في سياق أوامر خادم الحرمين الشريفين منذ توليه مقاليد الحكم، التي تتوخى مصلحة بلاده وشعبه، وتحافظ على مقدرات الوطن ومكتسبات الأمة». واعتبرت الهيئة أن مكافحة الفساد لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب. وقالت في تغريدة على حسابها الرسمي على «تويتر»: «إن محاربة الفساد تأمر بها الشريعة الإسلامية، وتقضي بها المصلحة الوطنية، وهي لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب».