قد لا يضاهي جمال عيني الممثلة السورية سلاف فواخرجي وسلام الزيتون الأخضر فيهما، سوى موهبتها العذبة على الشاشة الصغيرة، ووضوحها في عملها ومواقفها وتصريحاتها في الاتفاق والاختلاف، بعيداً من أي «ردود جاهزة ومعلّبة» أو «مجاملة» أو «مصلحة». تكشف ل «الحياة» أسباب غيابها في الموسم الدرامي السابق، تقول فواخرجي: «ابتعادي له أسباب عدة، بعض منها يعود إلى قراري في التمهل عند الاختيار كما هي عادتي، إضافة إلى عمل مصري كان من المفترض أن أشارك فيه لكنه تأجل، وأيضاً خضوع ابني لامتحان ثانوية عامة. إلى جانب هذه الأسباب كنت انتظر اكتمال مشروع «هوا أصفر» وإيجاد جهة إنتاجية له». وهل لوضع الدراما التلفزيونية المتردي في سورية علاقة بتمهلها مدة عام؟ تجيب فواخرجي: «عموماً شهد الموسم الدرامي الفائت تراجعاً باعتراف من الجميع، لذلك فضّلت أن ابتعد قليلاً حتى أقوم بعمل جديد»، مضيفةً: «الدراما السورية ليست بخير وتعاني من مشاكل عدة لم نفاجأ بها. نحن في بلد تمر بحرب، ومن الطبيعي أن يتأثر الفن بها. في السنوات الأولى حافظنا على قوّتنا وعَملنا في شكل جيّد واستطعنا أن نحافظ على جودة الأعمال حتى لو قلّ عددها، ولكن كانت هناك سوية فنية، بخلاف ما شهدناه في السنتين الأخيرتين. وخلال الحرب ظهرت طفرات في مجالات عدّة في العمل الفني». وبعيداً من أسباب التردي الخارجة عن يد أهل الصناعة في سورية، تجد فواخرجي أن «هناك مشكلة في الانتماء لدى بعض أصحاب القرار، فالانتماء إلى بلد معين والعمل على صناعة قومية له، يحفزانك على أن تعمل عليهما بكل عناية ودراية من أجل الحفاظ على هذا الإنتاج الوطني، والعكس صحيح، الحرب تفرز نماذج من المستغلين، ولكن هناك حداً تجاوزناه». وتشير إلى أبرز مواطن الوجع: «حالة استسهال تتجسد بالسعي وراء انتاج أعمال بأقل امكانات مادية، الفن ليس رفاهية، بل يحمل رسالة لتوصلها، ولكن فجأة تجد نفسك في مهب الريح، النصوص لا تشبهك، وفقدت الجدية في العمل، بدأت الحدود المعينة من المهنية في وسطنا تندثر. هناك تقليل من قيمة الفنانين والفنيين». وتردف في رؤيتها للحلول: «نحن في بلد يعاني من حرب وفساد، لذا نطلب على أقل تقدير الحد الأدنى من الفساد والحد الأكبر من الانتماء لكي نستمر. عندما تصل الدراما السورية إلى مرحلة تكون فيها إحدى واجهات البلد، هذا أمر يتطلب منا الحفاظ عليها». وتلفت إلى الحل الجذري الذي يحقق الاستقرار للدراما السورية بقولها: «نحن في حاجة إلى محطات تلفزيونية سورية، ورؤوس الأموال سواء في الداخل أو من الخارج، وأن يكون هناك انفتاح في العروض والمحطات كي نحقق نوعاً من الاكتفاء كمصر مثلاً. المنتجون هم الأساس في هذا الموضوع عندما يفهمون معنى أن تعبّر عن هويتك، نحن بدأنا نفقد الهوية السورية في الدراما». وتضيف: «أصحاب الشأن في هذا المجال من أصحاب الأموال قادرون على أن ينقذوا الدراما، الأمر فعلاً أشبه بحالة إنقاذ مريض». ورداً على سؤال حول توجهها للإخراج في فيلم «رسائل الكرز» (تأليف نضال قوشحة)، تقول فواخرجي: «دائماً أشعر بعدم الاكتفاء من التمثيل وبالحاجة لممارسته، ومن غير الممكن أن أكتفي منه يوماً ما. التمثيل بمثابة غنى روحي أطلبه. لكنني وجدت أن هناك أشياء كثيرة يمكن أن أعبر عنها في مكان آخر ومن زاوية أخرى وتقع ضمن إطار عملي، إذ من الصعب أن يتجزّأ الفنّ. يمكنك أن تكون ممثلاً أو مخرجاً أو كاتباً في فترة معينة، ولكن في النهاية هي مجرّد تجربة. في الإخراج، أحسست أنه في إمكاني أن أتحدث بكلّ الشخصيات ليس فقط بشخصيتي كممثلة وأن أكون مثلاً الموسيقى، الديكور، الأكسسوار، وحتى اللون في لحظة من اللحظات». وتؤدي فواخرجي في الموسم الحالي بطولة مسلسل «هوا أصفر» (علي وجيه ويامن الحجلي/ أحمد إبراهيم أحمد) بشخصية «شغف». تصفها فواخرجي ب «إمرأة واضحة وعمليّة وحقيقيّة، تجبرها الظروف على عيش حياتها وفق ما يريده الآخرون لها، ولكن عندما تتكوّن لديها أحاسيس معينة أو شغف معين تجاه شخص ما، تحاول للمرة الأولى أن تبحث عن ذاتها وأن تكسر كل الأطر التي وضعها الآخرون لها، بخاصة أنها امرأة قوية جاهزة للتحدي ولتلبس أقنعة لمسايرة محيطها». وتوضح بعض التغييرات التي أجرتها في الشكل في بناء الشخصية من الخارج: «غيّرت لون شعري ولون بشرتي خدمة للدور، إضافة إلى وشم الفينيق ووشم اسم الشخصية، إذ إنها سيدة تهتم بشكلها ولباسها وتتّبع الموضة، كما أنها تدير «كازينو» فنجدها امراة تضجّ بالأنوثة». تطلب فواخرجي وقتاً مستقطعاً من المقابلة للإشراف على واجبات ابنها علي المدرسية عبر الهاتف ومساعدته، بحرص الأم من بلد إلى بلد، علماً أنها احتفلت أخيراً بتخرج نجلها حمزة من المرحلة الثانوية ليبدأ دراسة الطب، بعد عام حرصت فيه الممثلة السورية على متابعته ومرافقته في أيام الامتحانات لحظة بلحظة. مع الانتهاء من الاتصال يطرح السؤال الأخير نفسه حول المعادلة بين الفنّانة والأم لدى فواخرجي: «دائماً كنت أخاف من اللحظة التي أخيّر فيها بين مهنتي وأمومتي، الإثنان معاً يعنيان لي كثيراً ويعبّران عني. أدعو دائماً ألاّ تأتي اللحظة التي تفرض عليّ أن أختار بينهما وأتمنى أن أبقى محافظة على هذا التوازن».