من المؤسف أن يغيب السلاح العربي في الهجوم على ليبيا، وقد تكون لذلك عواقب وخيمة على المدى الطويل. فقد دفع بالديكتاتور المحاصر معمّر القذافي أن يصوّر الهجوم عليه وكأنه عدوان من الغرب «الصليبي» يهدف إلى الاستيلاء على نفط ليبيا، ومن شأن هذه الحجة أن تضرب على الوتر الحساس للقبائل الموالية له. يعزى هذا الواقع إلى الذكريات التي لا تزال حية عن نظام الاستعمار الايطالي الوحشي في ليبيا في فترة ما بين الحربين العالميتين. ولا شك في أن الليبيين يجدون الادعاء بأن الهجوم هو مغامرة استعمارية غربية أكثر إقناعاً من فكرة القذافي الخيالية ومفادها أن «القاعدة» هي الرأس المدبّر ل «المؤامرة» ضده. على أي حال، لا يخلو سجل الغرب في العالم العربي من الذنوب. فالتدمير الإجرامي في العراق، والحرب المستمرة في أفغانستان، والسماح لإسرائيل بعقود من الاضطهاد ضد الفلسطينيين، وإهمال المأساة في دارفور، والسعي المتعطش للمصالح التجارية ومنها تجارة الأسلحة وهي المثل الأفظع، كلها حقائق تلعب ضد الغرب في العالمين العربي والإسلامي. إلا أنه يترتب النظر إلى التدخل الغربي في ليبيا من منظار أكثر ايجابية. فيبدو أن الدافع خلفه يعود أساساً إلى النفور الحقيقي من القذافي بعد مرور 42 عاماً من انتهاك حقوق الإنسان ضد شعبه، ناهيك عن تورطه في اعمال القتل والإرهاب الخارجي، على غرار إسقاط الطائرات المدنيّة. وبين جرائمه الوحشية التي لا تحصى، تبقى المجزرة التي أودت بحياة 1200 سجين في سجن أبو سليم في عام 1966 هي الأشهر. الآن، ينبغي بذل كل الجهود الممكنة لمنع التدخل العسكري في ليبيا من ضخ المزيد من السم في علاقات الغرب مع العالم العربي والإسلامي. كما يجب إقناع الدول العربية لتتكاتف مع بعضها البعض في تحمّل المسؤولية لتحقيق انتقال الحكم في شكل سلمي في طرابلس. في بدء الأزمة، تحدثت جامعة الدول العربية عن فرض منطقة حظر جوي، لكنها لم تقم بأفعال حقيقية بعد هذا الكلام، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري. ومنحت الجامعة العربية الشرعية للاعتداء الغربي، كما فعل مجلس الأمن لكن بتدابير أكبر - إلاّ أن المساهمة العربية بقيت ضعيفة عموماً. وقد أعرب أمين جامعة الدول العربية عمرو موسى عن تحفظات مثيرة للقلق حيال الضربات الجوية الغربية، غير مدرك على ما يبدو أن منطقة حظر الجوي الفاعلة تتطلب تدمير الدفاعات الجوية الليبية أولاً. في محاولة لمنع وقوع المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين وحدوث دمار مادي كبير، يجب على الدول العربية الآن أن تتحرك باتجاه وضع حدّ للقتال في ليبيا. كما يجب أن تعمل على إنقاذ ليبيا ممّا يمكن أن يكون حرباً أهلية طويلة المدى. علاوةً على ذلك، قد يحتاج اليمن إلى وساطة عربية للإشراف على الانتقال السلمي من حكم الرئيس علي عبدالله صالح الذي دام 33 عاماً لتشكيل حكومة جديدة تتماشى مع مطالب المحتجين. تجدر الإشارة إلى أن حرباً أهلية فتكت باليمن من سنة 1962 حتى سنة 1970 وانتهت مع التوصل إلى مصالحة غير مريحة وغير مستقرة بمساعدة قوى خارجية. وعانى لبنان أيضاً من حرب أهلية مدمرة كانت عواقبها وخيمة تمثلت بعدم الثقة والعداء اللذين لا يزالان يهددان بجر هذا البلد نحو العنف، وينبغي على جيرانه الحرص على عدم المساهمة في مزيد من عدم الاستقرار. في وضع ليبيا، ينبغي تشكيل مجموعة اتصال رفيعة المستوى، للتوسط بين الجانبين والتفاوض على الرحيل السلمي للقذافي من دون إلحاق الهزيمة العسكرية به. وإلى جانب الدول العربية، قد تضم مجموعة الاتصال المقترحة قوة إقليمية مثل تركيا، وربما بلداً أو اثنين مثل الصين وألمانيا وروسيا التي امتنعت عن التصويت على القرار الرقم 1973 الصادر عن مجلس الأمن. وحدها مجموعة اتصال يمكنها أن تتوصل إلى تسوية سلمية. ما من دولة عربية لها مصلحة في مصير الصراع الدائر في ليبيا أكثر من مصر. لكن يبدو أن جنرالات مصر انشغلوا بإدارة انتقال السلطة في بلدهم عن التركيز على التفكير الاستراتيجي حول العلاقات مع جيرانهم. كان من الممكن أن تفوز مصر بامتنان الغالبية العظمى من الشعب الليبي، لو أنها قامت بتزويد المتمردين بالمساعدة في وقت مبكر وحاسم، ولم تزوّدهم بالأسلحة الصغيرة فحسب كما يُقال. ولم يفت الأوان كي تتصرف مصر عسكرياً وسياسياً، وذلك تمهيداً لشق طريق للتحالف مع جارتها وربما في وقت لاحق لتشكل نوعاً من الاتحاد الفيدرالي كما ادعى القذافي نفسه عندما تسلّم الحكم. كان لليبيا أن تستفيد من موارد مصر البشرية الهائلة وثروتها من المهارات ومؤسساتها الحكومية ذات الخبرة فضلاً عن مؤسساتها الثقافية والتعليمية. وبدورها، كان يمكن مصر أن تستفيد من موارد ليبيا النفطية ومن مساحة أراضيها شبه المأهولة التي تبلغ ألفي كيلومتر على ساحل البحر الأبيض المتوسط. فالبلدان يمكنهما أن يوفرا مصدر قوة هائلاً للعالم العربي. ما من شك في أنه يجب وضع حد لحكم القذافي قريباً. إلا ان من المهم أن يتم التعامل مع الانتقال من دون اللجوء إلى العنف غير الضروري، وبالانسجام مع الصحوة غير العادية للشعوب العربية، التي يشهدها العالم من المحيط إلى الخليج. ما من نظام عربي بمنأى عن انفجار الاحتجاجات والتوق إلى الحرية الذي يجتاح المنطقة بأسرها. فالسعي إلى قمع الحركة الديموقراطية بالقوة سيكون بلا فعالية مثل السعي لاحتواء موجة تسونامي. وينبغي على الأنظمة العربية التي نجت حتى الآن من تحدٍ خطير أن تضع حدّاً لهمجية الشرطة وأن تحارب الفساد وتسمح للشعب أن يختار ممثليه عبر انتخابات حرة حقيقية. إن استخدام القوة خصوصاً قتل المتظاهرين يصب الزيت على النار وهذا ما تكتشفه سورية الآن. وبالإضافة إلى الوساطة الخارجية في اليمن وليبيا، ثمة تدبير طارئ يجب أن يكون محاولة التوصل الى تفاهم بين المملكة العربية السعودية وإيران. فمن خلال إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين، أكدت المملكة العربية السعودية أنها لن تتهاون في الدفاع عن المصالح الوطنية في منطقة الخليج. وإذا كان هذا التدخل يتيح فترة من الهدوء فينبغي على الأسرة البحرينية الحاكمة اغتنام الفرصة للقيام بإصلاحات حقيقية وطويلة المدى. من المأسوي أن تفسر أزمة البحرين على وجه الخصوص، على اعتبار أنها حرب بالوكالة بين السعودية وإيران. فلا شيء يمكن أن يكون أكثر فعاليةً لتهدئة التوترات في منطقة الخليج من القيام بمحاولة حقيقية للتوصل إلى تفاهم بين هاتين القوتين، والتأكيد بين السنّة والشيعة، وهذه مهمة يجب على الزعماء الدينيين في كلا المعسكرين أن يعالجوها بأنفسهم بسرعة وبروح من المصالحة الضرورية. إن التصرف الحكيم للقادة العرب يمكن أن يجنّب بلادهم المزيد من الفوضى وفقدان الأرواح البريئة. لذلك يجب ألاّ يترك مصير المنطقة بين أيدي القوى الخارجية. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط