توجت مدينة الرقة هزائم «داعش» المتتالية في سورية والعراق لتنحصر «أرض الخلافة» المزعومة في منطقة ذات طابع صحراوي على جانبي الحدود، لكن تهديده لا يزال قائماً سواء عبر الخلايا النائمة أو الانتحاريين أو حتى حضوره إعلامياً. وبعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك العنيفة، سيطرت «سورية الديموقراطية» بدعم من «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن على مدينة الرقة، معقل التنظيم الذي كان يعد الأبرز في سورية وأول مركز محافظة خرج عن سلطة النظام السوري. ويقول الباحث في «المعهد الأميركي للأمن» نيك هاريس لوكالة «فرانس برس»: «حين كانت الخلافة الإسلامية في أوج قوتها في العام 2014، هددت بحكم سورية من حلب (شمال) حتى الحدود العراقية ثم تراجعت الآن إلى منطقة محدودة في دير الزور (شرق) تحاصرها وتتقدم فيها قوات (الرئيس السوري بشار) الأسد وحلفاؤها كما التحالف الدولي بقيادة واشنطن». وعلى رغم احتفاظه بالسيطرة على بعض الجيوب المحدودة في محافظة حمص (وسط) وقرب دمشق وفي جنوب البلاد، يتوقع أن يشكل الجزء المتبقي من محافظة دير الزور «مركز ثقل» التنظيم في سورية»، وفق هاريس. وتشكل محافظة دير الزور الحدودية مع العراق مسرحاً لهجومين منفصلين: الأول يقوده الجيش السوري بدعم روسي والثاني تنفذه الفصائل الكردية والعربية المنضوية في اطار «سورية الديموقراطية» المدعومة من واشنطن. وتمكن الجيش السوري الشهر الماضي من فك حصار محكم فرضه التنظيم قبل نحو ثلاث سنوات على الاحياء الغربية لمدينة دير الزور والمطار العسكري المجاور. وفي فترة زمنية لم تتجاوز الأسبوع، تمكن أيضاً من طرد «داعش» من مدينة الميادين التي كانت تعد أحد أبرز معاقله. وبذلك، باتت مدينة البوكمال الحدودية مع العراق آخر معقل للتنظيم المتطرف في شرق سورية. من الجهة العراقية، لم يعد «داعش» يسيطر إلا على شريط حدودي محدود يضم مدينة القائم المقابلة للبوكمال السورية. ويقول هاريس: «لطالما كان داعش مزمعاً على أن تكون دير الزور والمنطقة المحيطة بمدينة القائم في العراق آخر معقل لخلافته». فهذه المنطقة بعيدة عن دمشق وبغداد، ويفصلها عنهما أراض صحراوية صعب اجتيازها. وتشكل بالتالي «المكان المثالي لتكون دعامة الخلافة الاخيرة» وقف هاريس. لكن المؤكد أن الحكومتين العراقية والسورية لن تستكينا حتى طرد آخر «داعشي» من هذه المنطقة التي تعد استراتيجية لهما ولحلفائهما. وتصر الحكومة السورية وحليفتها إيران على استعادة هذه المنطقة لمنع الأميركيين من الحؤول دون تحقيق إيران هدفها بضمان طرق برية لها إلى سورية ولبنان مروراً بالعراق، وفق هاريس. وبالتالي، تفضل إيران أن تسيطر قوات «الحشد الشعبي» على تلك المنطقة بدلاً من القوات العراقية التي تحظى بدعم أميركي. لكن رغم هذه الهزائم، ما زال التنظيم يشكل تهديداً كبيراً سواء في سورية أو العراق أو حتى الدول الاجنبية حيث تبنى خلال السنوات الثلاث الماضية اعتداءات دموية عدة. ويقول هاريس: «الحقيقة المرة أن داعش سيكون دموياً في عصيانه (المرتقب) وشبكة خلاياه الإرهابية تماماً كما هي الحال حين كان مشروع دولة»، محذراً من «الحضور الالكتروني القوي» المستمر للتنظيم المتطرف في ما وصفه ب»الخلافة الافتراضية». ونجح التنظيم منذ نشأته في الترويج لنفسه عبر آلة دعائية تصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار حول العالم. واستفاد من مواقع التواصل الاجتماعي ليعمم مقاطع فيديو توثق عمليات اعدام جماعية وقطع رؤوس، وكذلك لنشر بياناته لا سيما تلك التي تبنى فيها تنفيذ اعتداءات خارجية حصدت عشرات القتلى الأبرياء. ومنذ إعلان أبو بكر البغدادي «الخلافة» من الموصل في العام 2014، يحضر التنظيم للحظة التي سيخسرها، وفق هاريس، ما يفسر انشاءه «شبكة الهجمات الخارجية في أوروبا». لكن الخسائر لا تعني أن نجم التنظيم قد أفل. ويقول الباحث في «المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي» تشارلي وينتر لفرانس برس: «أهم ما كان يمكن لداعش القيام به ايديولوجياً، أنجزه بالفعل وهو إعلان الخلافة واستمرارها لسنوات عدة وجذبه عشرات الآلاف من كافة أنحاء العالم للانضمام اليه». ويضيف: «أعتقد أن التأثير الايديولوجي لذلك سيكون ضخماً جداً ولسنوات عدة مقبلة حتى لو خسر التنظيم مناطق سيطرته في سورية بعد خسارة مناطقه في العراق».