شدد وزير العدل الدكتور محمد العيسى على أن القضاء السعودي لا يجرم الرأي المجرد من المقاصد الجُرمية أو الإساءة لما انعقد عليه ضمير الجماعة واستقر عليه النظام العام، مؤكداً عدم وجود قضايا رأي مجرد ينظر فيها القضاء، مشيراً إلى أن التعامل مع الجرائم كافة يجري على حد سواء. وقال خلال استقباله رئيس مجلس الشيوخ الإسباني خابيير روخو والوفد المرافق له في مقر وزارة العدل في الرياض أمس (الأحد): «الحرية المنضبطة والمسؤولة لم تكفلها الشريعة الإسلامية فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من قيمها ومعانيها السامية، والشريعة تفرق بين الحرية والخروج على النظام العام للدولة، وهو ما لا يفسر إلا بالفوضى والخروج عن قيم المجتمع وضمير الجماعة المتآلف على نظامه العام». وأضاف أن القضاء السعودي «انطلاقاً من قواعده الشرعية ونظام الدولة، لا يجرم الرأي المجرد من المقاصد الجرمية أو الإساءة لما انعقد عليه ضمير الجماعة واستقر عليه النظام العام، مما يفضي للفرقة والخلاف السلبي»، نافياً وجود «قضايا رأي مجرد وفق هذا التوصيف الشرعي والنظامي، حتى يمكن القول بنظرها من القضاء». وأكد أن الرأي المجرد يدخل في نطاق الحرية المنضبطة والمسؤولة، وهو محل الترحيب والحفاوة في الشرع والنظام، مشيراً إلى أن قضايا الإرهاب وأمن الدولة تنظر من قبل القضاء الطبيعي، وليس لدى المملكة قضاء استثنائي، وتابع: «هذه الجرائم تُكَيَّف في مبادئ القضاء الجنائي على أنها قضايا جنائية، كما هي طبيعتها التي تستهدف أمن المجتمع واستقراره ومقدراته ومكتسباته، وإننا مع العالم في محاربتها وتقديم المتورطين فيها للمحاكمة العادلة». وتحدث العيسى عن ملامح مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، مشيراً إلى أنه تمّ ضخ سبعة بلايين ريال سعودي لدعم المشروع، وإحداث مئات الوظائف القضائية في درجاتها كافة، والوظائف المساندة لها، موضحاً أبرز ضمانات العدالة في شقها الإجرائي، مثل شفافية المرافعة القضائية بتقرير مبدأ علانية الجلسات في جميع القضايا، عدا ما تتطلب المرافعة خصوصيتها كبعض قضايا الأحوال الشخصية. وتطرق إلى أن قضاء السعودية يعتز باطلاع الجميع على مبادئه القضائية، وسير إجراءات مرافعاته وضمانات العدالة فيها، مشيراً إلى أن المبادئ القضائية كافة ستنشر وتوزع مجدداً، مضيفاً أنها مع أسلوب تدوين الأحكام القضائية مُكملان لبعضهما، بهدف تسهيل إجراءات التقاضي على أركان المرافعة كافة، وللحصول على عدالة ناجزة وشفافة. وأكّد وزير العدل أن الجرائم كافة يجري التعامل معها على حد سواء، ويراعى في ذلك الظروف المخففة والمشددة لكل جريمة على ضوء الاستقرار القضائي، والسلطة التقديرية لناظر القضية بحسب الأحوال. مضيفاً أن المادة الموضوعية في القضاء السعودي تعتمد تحكيم الشريعة الإسلامية التي قامت على قواعد وضوابط فقهية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهما المرتكز الأساس لطليعة الوثائق الدستورية في البناء التنظيمي للسعودية وهو النظام الأساسي للحكم، وأن هذه الثروة التشريعية أُسس عليها القضاء السعودي مبادئه التي بنى عليها أحكامه، مشدداً على أن هذه المبادئ بما تقوم عليه من قواعد وأسس شرعية لا تتعارض مع أي من القواعد والنظريات الأخرى ذات القيمة العلمية والمحتوى التطبيقي السليم، مؤكداً أسبقية التشريع الإسلامي لها كما يشهد بذلك امتداده التاريخي ومدوناته العلمية في الفقه وقواعده وأصوله. وتطرق وزير العدل إلى أن المادة الإجرائية استفادت من المعطيات الحديثة في المرافعة وضمانات حسن سيرها، مضيفاً أن ثمة تنظيمات عدة في المادتين الإجرائية والموضوعية تتوخى تحقيق العدالة الشرعية. وأكّد وزير العدل أن الشريعة الإسلامية تتشوف إلى العفو في قضايا القصاص، وإلى الدرء والمنع بالشبهة في قضايا الحدود، مبيناً مفهوم القصاص والحد والتعزير والفروق بينها وفق المستقر عليه قضاءً، والضمانات الشرعية والنظامية المحاطة بها. وذكر أن قضاء السعودية يعتبر الاتفاقات والمواثيق والمعاهدات والصكوك الدولية المصادق عليها جزءاً من نظامها، يكتسي طابع الأهمية في التدرج التنظيمي. وأشار إلى أن وزارة العدل جادة في إيجاد البدائل التي تخفف من الأعباء القضائية، بوسائل التسوية المرضية وإشاعة المزيد من ثقافة التحكيم، مع عدم حجب طالبي العدالة عنها في جميع الأحوال.