كانت من أكثر الكلمات التي «يترزز» بها النقاد، خصوصاً أولئك المستعدين لنقد أي قالب كتابي، أو إبداع مرسوم، معزوف أو منحوت، وكان لها وقع «انبطاحي» على سامعها، يحيل زئبقية «النص» إلى مساحات شاسعة للأسئلة الوجودية، ماعدا تلك المتعلقة بالمساهمات العقارية المتعثرة، وحقوق المرأة، والضرائب المتحصلة على المستثمرين الأجانب من المقاولين، خصوصاً الذين أظهرت دفاترهم «الممسوكة» خسارتهم. تلكم هي كلمة «سوريالية» وعند البعض «سيريالية»، وهي مدرسة فنية نشأت في فرنسا، وتميزت بالتركيز على كل ما هو غريب أو متناقض ولا شعوري. وكانت السيريالية تهدف إلى البعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة، والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام... «حلو الكلام»، بالطبع لا، فالكثيرون استخدموها لوصف أي شيء يعجزون عن فهمه، وحتى لو فهموه يعجزون عن وصفه. المضحك أن بعض المبدعين، وفقاً لوصفهم لأنفسهم، أحالوا الكثير من خرابيشهم إلى هذه المدرسة التي كانت في الأصل خاصة بالرسامين، أو من يشكون للزميل الرائع محمد السحيمي ويشكي لهم، من دون وجود طرف ثالث، حتى لو لم يكن محايداً للاستماع من دون شك إلى شكواهم. وإحدى القصص تحكي أن طالباً ابتعث إلى فرنسا، وتوهّم أنه تشبع بهذه المدرسة، لكن لم يكن يفهم المعاني الحقيقية والعميقة للاتجاه الفني العريق الذي نشأ في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، فأصبح يحيل كل ما لا يفهمه إلى «سيريالية» هذا الشيء، وعاد إلى أرض الوطن، وتحديداً إلى قريته «غير السيريالية»، وكان له أخ «ملكّع» خريج كلية «المحكحكين»، فأراد «الفرنساوي» أن «يشخّص» على أخيه، فبادره بالإسهاب عن السريالية كمدرسة لا منتهية للإبداع الذي يعيد الإنسان اكتشافه كل مرة، وللإمعان في التعالي عليه سأله: هل تعرف أن الانفعالات التي تعتمد عليها السيريالية تظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة؟ فرد عليه بالإيجاب قائلاً: نعم أعرف فالغدد و«الخراج» تحت ذنب الخروف لا يمكن أخذها فقط كحقيقة بصرية ظاهرة، وإنما هي تظهر لأن خلف ذلك زراعة ملغومة بالكيماويات، وأعلافاً «مضروبة»، ورقابة مهزوزة. غضب السيريالي كونه يتحدث عن مدرسة فنية فرنسية، ويجادله هذا «الجاهل» عن خروف نعيمي، وعاود السؤال: هل تعرف كيف تعتمد السيريالية على التعبير بالألوان عن الأفكار اللاشعورية؟ والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام؟ فأجابه صاحبنا: نعم أعرف فنحن بلونين فقط هما الأخضر والأحمر عبّرنا عن رغباتنا جميعاً بالثراء، وآمنا لا شعورياً بالقدرة الهائلة للإخوة الهوامير ومحللي السوق على تحقيق الأحلام، اعتماداً على إيمان بالقدرة المعقولة ل«الجهات الاقتصادية المتخصصة» على إدارة ومراقبة السوق، كواحدة من دعائم الاقتصاد.