عشر سنوات خلت... أي تراتيل قرأت في السنوات التي خلت. كنت خلالها ضوءاً يضيء المساءات الجميلة، وكان الشعر ومظفر النواب يشعلان أعواد القصب في أهوار العراق. في المسافة ما بين الروح والجسد، تتجلى حكايات بغداد المعطرة بالدم والموت. هناك تركت روحي، وهنا انتصر الفراق. خرج بدر شاكر السياب من أعالي «جيكور» وهو يصيح: أصيح بالعراق.. يا عراق.. يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى فيرجع الصدى كأنه النشيج. أتذكرين ونحن نغني مع مظفر النواب، وهو يردد «بويتنا ونلعب بيه»؟. أتذكرين، وأنا أقرأ لك شيئاً من أشعار «كاظم خبط» وسيرته المأسوية مع الفقر والموت؟ عصفوران كنا، وكنا نتقاسم خبز المشاعر، على أطراف «الصويرة» ومنابع «عكركوف». هناك كنا نلهو بالكلمات المخضبة بالجمال. هنا في الرياض انفصلت الروح عن الجسد، وكان الفراق. كانت الرياض سحابة ضوء. أتذكرين ونحن نتمعن الرياض من أعلى برج الفيصلية؟. يومها قلت لك: هذه المدينة جميلة كعيني غزال. كنت يومها متحفزاً للحياة، وها أنا أتمنى الموت، على أن أعيش بعيداً عن ذاكرة عشر سنوات خلت. جئتك لأسجل وجعي. وجع ذاكرتي. وجع الحروف التي يبست في فمي. جئتك وأنا أردد مع الفنان أبو بكر سالم أغنيته الأسطورية: «أنتي وين؟». حدثتك كثيراً عن الفن العدني. عن حضرموت. عن الشاعر اليمني «عبدالله البردوني»، وهو يتخيل صنعاء في فندق أموي. حدثتك عن كل شيء. قرأت لك شيئاً من عبق الماضي. لم يكن الفراق وارداً حينها. حينها كنا نتبادل الهدايا في مقهى «ليتوال» في وسط بيروت. لم تكن دمشق بعيدة عنا، في اليوم التالي تبادلنا الخبز في مطعم «أوكسجين» في دمشق القديمة. آآه وجعي... آآه من تلك الذاكرة... تطلين من أعالي «طويق»، وأنا في الرياض جثة هامدة. أي عذاب لذاكرتي هذا الذي تفعلين؟ عشر سنوات خلت، وأنا «أردد لحن النوح في غرة الفجر». عشر سنوات خلت، وأنا أواسي الموتى بنظرات يفوح منها الموت. عشر سنوات وأنت تصلين ليكون الفراق واقعاً في حياتنا. ملعونة يا أنتِ هذه الفراسة. ملعون هذا الظن. ملعونة هذه الذاكرة التي تؤرقني فيكِ. كل شيء فيَّ قلق عليكِ.