توفي الرئيس العراقي السابق جلال طالباني أمس في برلين، بعد صراع طويل مع المرض استمر أكثر من خمسة أعوام، غاب خلالها عن المشهد العراقي، بعدما عاش حياة حافلة بالأحداث، وخاض صراعاً طويلاً ضد النظام السابق، قائداً لجماعة كردية في السليمانية، وأسس حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» بعدما انشق عن «الديموقراطي». ولد جلال حسام الدين نور الله نوري طالباني في محافظة كركوك، في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1933، وهو الرئيس السابع للعراق، انتخبه البرلمان في 30 كانون الثاني (يناير) 2005، وأعيد انتخابه عام 2010 لولاية ثانية لم يستطع اكمالها بسبب تدهور حالته الصحية منذ عام 2012، وإصابته بجلطة في الدماغ. أنضم طالباني إلى «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة الملا مصطفى بارزاني سنة 1947، وبدأ مسيرته السياسية مطلع الخمسينات عضواً مؤسساً لاتحاد الطلاب في كردستان داخل الحزب، الذي ترقّى في صفوفه بسرعة وأصبح عضواً في اللجنة المركزية سنة 1951م، أي بعد 4 سنوات فقط على انضمامه إليه وكان عمره آنذاك 18 سنة. التحق طالباني بكلية الحقوق في بغداد سنة 1953م، بعدما فشلت محاولاته للالتحاق بكلية الطب، بسبب العوائق التي وضعتها أمامه السلطات في العهد الملكي في العراق، وبسبب نشاطاته السياسية. وتخرج من كلية الحقوق سنة 1959م، والتحق بالجيش بعد تخرجه كجزء من الخدمة العسكرية، التي كان من واجب المواطن العراقي أداءها بعد تخرجه من الكلية أو بعد بلوغه ال 18 سنة، وكان مسؤولاً عن كتيبة عسكرية مدرعة. وفي سنة 1961 شارك في انتفاضة الأكراد ضد حكومة عبد الكريم قاسم، وبعد الانقلاب على قاسم، قاد الوفد الكردي للمحادثات مع رئيس الحكومة الجديد عبد السلام عارف سنة 1963. بدأت خلافات جوهرية تظهر بينه وبين زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» مصطفى البارزاني، فانضم سنة 1964 إلى مجموعة انفصلت عن الديموقراطي ليشكلوا المكتب السياسي للحزب، الذي كان يتزعمه إبراهيم أحمد الذي أصبح لاحقاً حماه. حلّ المكتب سنة 1970، بعد أن وقّع الحزب والحكومة اتفاقاً يضمن الحكم الذاتي للأكراد. وبعد أنهيار الحركة الكردية بقيادة مصطفى بارزاني، في أعقاب «اتفاق الجزائر» الذي أدى إلى تراجع شاه إيران محمد رضا بهلوي عن دعمه، وتوقف الصراع المسلح بين الأكراد والحكومة، أسس طالباني مع عدد من رفاقه حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» سنة 1975 في سورية، وكان حزباً اشتراكياً. وبعد تشكيله بسنة بدأ حملة عسكرية ضد الحكومة المركزية، توقفت فترة قصيرة في بداية الثمانينات في خضم حرب الخليج الأولى، حين عرض الرئيس العراقي الراحل صدام حسين صلحاً مع الحزب. ولكن المفاوضات فشلت وبدأ الصراع مرة أخرى، حتى حصلت للحزب الجديد انتكاسة قاسية، فاضطر طالباني إلى مغادرة شمال العراق واللجوء إلى إيران. وبدأت حقبة جديدة في حياته السياسية بعد حرب الخليج الثانية وانتفاضة الأكراد في الشمال ضد الحكومة المركزية. وفرض التحالف الغربي منطقة حظر الطيران التي شكلّت ملاذاً للأكراد. بداية تقارب مع «الحزب الديموقراطي» بزعامة مسعود بارزاني، ونُظمت انتخابات في إقليم كردستان، وشكلت عام 1992 إدارة مشتركة للحزبين، غير أن الصراع بينهما أدى إلى مواجهة عسكرية، وبعد جهود أميركية حثيثة وتدخل بريطاني، ونتيجة اجتماعات عدة بين وفود من الحزبين وقّع بارزاني وطالباني اتفاقية سلام في واشنطن سنة 1998. وبعد الأجتياح الأميركي للعراق في آذار (مارس) 2003، طوى الجانبان خلافاتهما كلياً ليشكلا حكومة مشتركة، وعيّن الاثنان لاحقاً في الحكومة العراقية الانتقالية (مجلس الحكم)، وكان الأكراد وقعوا عريضة تطالب بالاستفتاء على الانفصال، غير أن زعماءهم أكدوا أنهم لن يطالبوا إلا بحكم ذاتي في إطار عراق موحّد.