غطّت الأحداث المأسوية التي تحصل في العالم العربي على الوضع في أفغانستانوباكستان، الذي يبدو أنه يقترب من نقطة تحوّل خطيرة. هل يجب على الولاياتالمتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الاستمرار في الحرب على «طالبان»، أو يستحسن اللجوء إلى حلّ سياسي عالمي عاجل؟ يبدو أن القادة الغربيين – وفي طليعتهم الرئيس باراك أوباما- مترددون في مواجهة الحاجة إلى قرار واضح بطريقة أو بأخرى، وكأنهم ما زالوا يأملون سماع أخبار أفضل من ساحة المعركة. تعتمد استراتيجية واشنطن على إبقاء الضغط العسكري على المتمردين، وتعطيل قيادتهم وتدميرها عبر الغارات الجوية على مخابئ «طالبان» الآمنة على طول حدود شمال وزيرستان، بالتزامن مع بداية سحب القوات الأميركية هذا الصيف، على أمل أن يكون الوضع مستقراً بما فيه الكفاية بحلول عام 2014 بالنسبة الى القوات الأميركية المقاتلة لمغادرة البلاد بعد تسليم المسؤولية الأمنية تدريجاً للقوات الأفغانية. يرجح أن يكون هذا الهدف غير واقعي. حالياً، ثمة 143 ألف عنصر تابعين ل «ناتو» في أفغانستان منهم 98 ألف أميركي. ستبدأ بولندا بسحب قوّاتها البالغ عددها 2600 جندي في العام الحالي، وكذلك ألمانيا ستسحب هذا العام قواتها المسلحة البالغ عددها 4700 عنصر. وأعلنت بريطانيا أيضاً عن سحب قوّاتها البالغ عددها 9 آلاف عنصر بحلول عام 2015. ولكن، في الأسبوع الماضي، انتقد تقرير صدر عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب البريطاني بصورة لاذعة الحكومة البريطانية بسبب تصرفها حيال الحرب. وذكر التقرير أن حملة الحرب لم تنجح كما أنها تفتقر إلى هدف أمني وقومي واضح. ووصف التقرير المهل العبثية والعمليات العسكرية الأخرى التي تم إعدادها بهدف التوصل إلى اتفاق سلام ب «أفضل أمل متبقٍ» لتحقيق «خروج مشرّف من أفغانستان». هل سيؤخذ هذا التقرير في الاعتبار؟ يتفق أكثر الخبراء المستقلين على أن التسوية التي يتم التفاوض عليها يمكنها أن تضع حداً للهدر الغربي المسرف للبشر والموارد. القرار الذي يواجه قادة الغرب هو إمّا الاستمرار بالاستراتيجية الحالية للهجمات العسكرية والانسحابات البطيئة، أو على العكس القيام بخطوة أقوى ومتصاعدة للمفاوضات مع «طالبان». في هذه الأثناء سيطل الربيع على الجبال الأفغانية ومعه احتمال تزايد عمليّات «طالبان» المدمّرة بالإضافة إلى الكرّ والفرّ. في الشهور الأخيرة، تراجع المتمردون في وجه اعتداءات شنتها قوات «الناتو» على نطاق واسع في مقاطعة هلمند وفي قندهار وضواحيها. لكنهم استمرّوا في استخدام العبوات الناسفة اليدوية الصنع، ما أودى بحياة الكثير من أفراد «الناتو» وأدى إلى تطاير الأشلاء وشلّ الحركة. في الوقت عينه، بدلاً من مواجهة قوات حلف شمال الأطلسي في ساحة المعركة، يلجأ المتمردون إلى التفجيرات الانتحارية واغتيال أولئك القادة الذين يتجرأون على التضامن مع القوّات الأجنبية. يتسم الرأي العام بين حلفاء الولاياتالمتحدة في حلف شمال الأطلسي، وفي الولاياتالمتحدة نفسها بالطبع، بعدم الصبر والقنوط. يبدو أن الأمن في أفغانستانوباكستان يتدهور. إن الفوز في حرب العشر سنوات بعيد المنال والخسارة فيها محتملة على رغم محاولة الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات العسكرية في أفغانستان، بالتظاهر أن الوضع على ما يرام. يلوح تقدم جديد ومفعم بالأمل في الأفق، فتركيا أبدت استعدادها للعب دور الوسيط في الصراع. ونقل متحدث باسم مجلس السلام في أفغانستان، المؤلف من 70 شخصاً والذي شكله الرئيس حامد كارزاي العام الماضي، إنّ تركيا على استعداد لتسهيل المحادثات بين الفئات المتحاربة من خلال السماح ل «طالبان» بفتح مكتب تمثيلي على الأراضي التركية حيث ستجرى فعلياً اللقاءات والمحادثات مع الحكومة الأفغانية. لكن أي مبادرة من هذا النوع تتطلب أولاً توقف العمليات العسكرية لفترة أو ربما إعلان وقف إطلاق نار غير رسمي. حتى الآن، لم تدعم الولاياتالمتحدة علناً الاقتراح التركي. فالسوابق التركية غير مشجعة. ولم ترحب واشنطن بجهود الوساطة التركية السابقة كمحاولتها مع البرازيل لإخماد الأزمة المتعلقة بنشاطات إيران النووية ودعوتها إلى السلام بين حركتي «فتح» و «حماس» والفصائل الفلسطينية المتنازعة. وبسبب تأثير الحرب الأفغانية على الوضع في باكستان، يبدو أن هذا البلد مهدد باضطرابات قد تطيح الرئيس آصف علي زرداري وحزبه الحاكم «حزب باكستان الشعبي». ويكمن التنافس الهندي - الباكستاني في صلب المشكلة، وخوفاً من خسائر يمكن أن تتكبدها في أفغانستان وتستفيد منها الهند، تشعر باكستان بالحاجة إلى التمسك بالمجموعات الإسلامية المتمردة التي تعارض الوجود الأميركي بشدّة والتي صوّبت أسلحتها نحو باكستان نفسها. تبرز الحركة الشرسة المعادية للولايات المتحدة وتزايد التشدد الإسلامي المتطرف على حد سواء في المشهدين الأفغاني والباكستاني. وفي البلدين، أججت هجمات «الناتو» التي أسفرت عن مقتل المدنيين، الغضب والتعطش إلى الانتقام. في الأسبوع الماضي، قتل تسعة فتيان تتراوح أعمارهم بين التاسعة والخامسة عشرة كانوا يجمعون الحطب لتدفئة منازلهم في الجبال في شرق أفغانستان، بعدما أصابتهم رصاصات من مروحيات «الناتو». وهذه الحادثة هي الثالثة خلال عشرة أيام التي تتهم فيها الحكومة الأفغانية حلف الأطلسي بالاعتداء على المدنيين. ويُقال أن الهجمات الأرضية والجوية التي قام بها «الناتو» تسببت بمقتل 64 شخصاً. في باكستان تستمر هجمات وكالة الاستخبارات الأميركية عبر الطائرات من دون طيار في تأجيج غضب السكان المحليين. ومن بين المؤشرات الباكستانية التي تدل على المزاج المعادي للوجود الأميركي، هناك إصرار على عدم توفير حصانة ديبلوماسية لريموند دايفيس، عميل وكالة «سي آي أي» المتهم بقتل باكستانيَّين. ويطالب الرأي العام الباكستاني بإعدامه شنقاً. ومن الإشارات التي تدل على تنامي التعصب في باكستان، اغتيال سلمان تسير الحاكم الليبرالي للبنجاب في شهر كانون الثاني (يناير)، وأيضاً اغتيال شهباز بهاتي الوزير المسيحي الوحيد في الحكومة الباكستانية الذي كان وزيراً للأقليّات. وتبيّن أن الرجلين قتلا يسبب تصويتهما لمصلحة تعديل قوانين عام 1986 المتعلّقة بمحاربة التكفير والتي تنصّ على عقوبة الإعدام. وكان رد فعل الحكومة الباكستانية فاتراً حيال الاغتيالات وبدت غير راغبة في مواجهة الرأي العام. وثمة مؤشر آخر لمعاداة الولاياتالمتحدة والتشدد الإسلامي وهو قتل طيارَين أميركيين في مطار فرانكفورت في 2 آذار (مارس) الجاري وجرح شخصين آخرين على يد شاب مسلم من كوسوفو يبلغ الواحد والعشرين من العمر. وثلاثة من الضحايا الأربع هم من أعضاء فريق أمني كان في طريقه من بريطانيا إلى أفغانستان، مروراً بقاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، وهي قاعدة لوجستية لعمليات الولاياتالمتحدة في أفغانستان. لا تزال الأضرار المباشرة وغير المباشرة من الحرب الأفغانية تتراكم. ويفترض بالولاياتالمتحدة و «الناتو» أن يجعلا كل محاولة يقومان بها، بمساعدة الدول الإقليمية كتركيا مثلاً، تصل إلى تسوية تفاوضية تؤدي الى انسحاب فوري وسريع للقوّات الأجنبية. تستحق كل من أفغانستانوباكستان أن ترتاحا من التدخل العسكري الغربي بحجة واهية هي حماية المصالح الاستراتيجية للدول الغربية. * كاتب بريطاني متخصص في قضايا الشرق الأوسط