أكدت زيارة الرئيس بشار الأسد الى محافظة الحسكة قبل أيام لوضع حجر الأساس لإطلاق مشروع استراتيجي وتنموي على أساس جر مياه نهر دجلة وتوفير مياه الري والشرب الى الأهالي، أن المنطقة الشرقية، التي تعتبر السلة الغذائية والمخزون الاقتصادي لسورية، ستحظى ب «عناية كبيرة» في الفترة المقبلة. المشروع الاستراتيجي، الذي أطلق بعد دراسات معمقة، يوازي في أهميته «سد الثورة» على نهر الفرات الذي دشن قبل ثلاثة عقود، من حيث قدرته على تحقيق «الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي» لأهالي محافظة الحسكة، كما كان الحال مع الفرات في محافظتي الرقة ودير الزور في شرق البلاد. وبحسب المعلومات، فان المشروع الجديد يقوم على جر 1250 مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر دجلة الى الأراضي المجاورة بحيث يؤدي الى ري أكثر من 200 ألف هكتار من الأراضي وتوفير 125 مليون متر مكعب من مياه الشرب، تماماً كما حصل مع سد الفرات في سبعينات القرن الماضي. يضاف الى ذلك، أن إنتاج القمح سيرتفع من 50 ألف طن الى نصف مليون طن سنويا، علماً أن الإنتاج السوري من القمح كان بحدود 2.7 مليون طن. كما تقدم المنطقة الشرقية نسبة كبيرة من إنتاج سورية من النفط البالغ نحو 400 ألف برميل يومياً ومن الغاز حيث ينتج نحو 30 مليون متر مكعب يومياً. ولتأكيد مدى التعويل السوري على مشروع جر مياه دجلة، قام الرئيس الأسد بزيارة بلدة عين ديوار، على مسافة 900 كيلومتر في شمال شرقي دمشق، لوضع حجر الأساس وتبادل الحديث مع القيمين على بنائه ومع وجهاء تلك المنطقة للحض على تسريع وتيرة العمل. وأكد الأسد أن المشروع «سيحظى بالاهتمام اللازم والمتابعة لما له من أهمية كبيرة لأهالي محافظة الحسكة ولسورية كلها»، مع «الثقة» أن هذا المشروع سيرتقي بالواقع التنموي للمحافظة والمناطق التابعة لها وتطويرها على جميع الصعد. كما شدد الرئيس الأسد على أهمية محافظة الحسكة باعتبارها السلة الغذائية لسورية وأن هذه المحافظة والمنطقة الشرقية عموماً، ستشهد عناية كبيرة خلال الفترة المقبلة لتحسين أوضاع الأهالي فيها. وتقدر كلفة هذا المشروع بنحو بليوني دولار أميركي. ويتضمن جر المياه الى سدود قديمة لخزن المياه والإفادة منها في أشهر التدفق الدنيا في الأنهار المحلية. ويتوقع أن ينجز خلال عشر سنوات، وان تبدأ عملية الانتهاء من بعض مراحله في غضون خمس سنوات، اعتماداً على شركات عامة محلية وبعمالة من أهالي المنطقة وبسعي لتمويل من صناديق للتمويل بينها «الصندوق الكويتي للإنماء». وجرى تأكيد ضرورة الإسراع بالتنفيذ. وكانت الحكومة استبقت وضع حجر الأساس بالتنسيق مع كل من العراق وتركيا اللتين تتشاطأن مع سورية على نهر دجلة، باعتبار أن هذا النهر يشكل 44 كيلومتراً من الحدود من الجارين في الزاوية الشمالية الشرقية لسورية، بينها 39.2 كيلومتر مع تركيا والباقي مع العراق. وتبلغ طاقة النهر نحو 18.3 بليون متر مكعب سنوياً عند مدخل الحدود بوسطي تدفق قدره 580 متراً مكعباً في الثانية. وستفي سورية بالتزاماتها لجهة تمرير المياه الى العراق بموجب ما جرى الاتفاق عليه. وبحسب المعلومات المتوافرة ل «الحياة»، فان مذكرة تفاهم ثلاثية أنجزت بين هذه الدول للإفادة من مياه دجلة قبل بضع سنوات، ثم بني عليها تفاهم بين دمشق وأنقرة. وطرح الموضوع بداية خلال زيارة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في 2004 واستمرت الاتصالات في شأنه الى حين توقيع مذكرة تفاهم خلال انعقاد المجلس الاستراتيجي السوري - التركي في دمشق في نهاية 2009. وفي سياق التعاون السوري - التركي إزاء ملفات المياه، كان أردوغان ونظيره السوري محمد ناجي عطري وضعا حجر الأساس ل «سد الصداقة» على نهر العاصي في شمال غربي البلاد، ويتوقع أن يروي نحو عشرة آلاف هكتار. وقال رئيس «الهيئة العامة للموارد المائية» حسين مخلوف ل «الحياة» إن مشروع جر مياه نهر دجلة تضمن حصول سورية على «حقها» من مياه دجلة بعد مذكرات تفاهم مع بغداد وأنقرة وانه «لا يقل أهمية عن سد الفرات، إذ انه سينعكس إيجاباً على المنطقة الشرقية وسيشكل نقلة نوعية في حياة المواطنين وسيخلق لهم الكثير من فرص العمل». من جهته، شدد محافظ الحسكة معذى نجيب سلوم في حديث الى «الحياة» على أن المشروع «تنموي واستراتيجي» وانه سيساهم في «تخفيف وطأة الجفاف» سواء عبر مياه الشرب أو ري الأراضي أو تشغيل الناس، لافتاً الى سلسلة من الإجراءات اعتمدتها الحكومة لمعالجة الجفاف الذي أصاب بعض قرى شمال شرقي البلاد. وتضررت بعض القرى في شمال شرقي البلاد من موجة الجفاف التي أصابت المنطقة في السنوات الماضية، ما أدى الى خروج أراضي من الإنتاج الغذائي وهجرة مئات آلاف المواطنين الى مدن أخرى وضواحي دمشق. وقدرت مؤسسات دولية عدد المتضررين في شكل مباشر وغير مباشرة بأكثر من مليون شخص. عليه، يأمل مسؤولون محليون أن يساهم هذا المشروع في «زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني وفي تأمين فرص العمل وخلق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتحسين الوضع المعيشي لسكان محافظة الحسكة والمناطق التابعة لها». وفي المدى العاجل، وضعت الحكومة خطة بسلة من الإجراءات للاهتمام بأهالي هذه المنطقة بينها وضع موازنة عاجلة لتوفير أكثر من ستة بلايين ليرة سورية (الدولار الأميركي يساوي نحو 46 ليرة) إضافة الى إقامة مشاريع بنية تحتية والاعتماد على العمالة المحلية لتشغيلهم. وأوضح سلوم أن ذلك يتضمن مشاريع للصرف الصحي والمياه والمؤسسات الإنتاجية والمدارس. ولا يخرج عن هذا السياق إعطاء الحكومة أولوية لأبناء المنطقة الشرقية لدى تعيينها نحو أربعة آلاف مهندس من خريجي الجامعات السورية قبل أيام، ذلك ضمن خطة حكومية لتشغيل نحو عشرة آلاف خريج جامعي في هذه السنة إضافة الى نحو 70 ألفاً سيشغلون وفق اعتمادات الموازنة. كما قدمت الحكومة تسهيلات لإقامة مشاريع استثمارية في المنطقة الشرقية، وتنوي تشجيع القطاع الخاص لتشغيل الشباب عبر دفع رواتب السنة الأولى من العمال مقابل التزام القطاع الخاص تشغيلهم لمدة خمس سنوات.