يحاول أربعة خبراء اقتصاديين استنباط مقاربة جديدة لتصنيف البليون إنسان الذين يعيشون تحت خط الفقر في العالم، من خلال استعراض نماذج من 300 منطقة حضرية وريفية في بنغلادش والهند وجنوب أفريقيا على امتداد سنة كاملة. وعلى خلاف مقاربات تقليدية للمسألة تعتمد على إحصاءات باردة، يركز داريل كولينز وجوناثان موردوك وستيوارت روذرفورد وأورلاندا روثفن في كتابهم "مَحافظ الفقراء: كيف يعيش فقراء العالم بدولارين يومياً؟" على الإنسان وحياته اليومية، مازجين بين البحوث الإحصائية وبحوث أنثروبولوجيا الفرد، ليخلصوا إلى ما يشبه اليوميات المالية التي تعطي صورة أساسية لكل عملية وخدمة مالية أجراها كل فرد خلال مدة الدراسة. ويتابع الباحثون في عملهم، الصادر أخيراً عن مطبعة جامعة برنستون الأميركية، تفاصيل الحياة المالية اليومية للأفراد الخاضعين للدراسة عن طريق إجراء مقابلات مع كل منهم مرتين أسبوعياً، مستخدمين معايير متبعة من قبل مديري المحافظ المالية، تشمل التدفقات النقدية وتحليل بيانات الدخل. ويشيرون إلى أن الأفراد لم يثقوا فيهم إلا بعد فترة بلغ متوسطها ثلاثة أسابيع بحيث بدأوا يكشفون لهم أسرارهم المالية، ما يميز البحث عن بحوث مشابهة كان يكتفي واضعوها بإجراء مقابلة واحدة مع كل فرد من أفراد المجموعة الخاضعة للدراسة. وتعامل واضعو الكتاب مع كل عائلة باعتبارها مؤسسة تجارية ناشئة. ومن النتائج اللافتة للبحث أنه ينسف لائحة الفرضيات التي تُلصق بالفقراء في مسعاهم إلى حل مشكلة الفقر التي يعانونها، ومنها أنهم يأكلون خبزهم كفاف يومهم، ولا يخططون للمستقبل، ولا يدخرون. ويستخدم الخبراء أمثلة متماسكة في دحضهم هذا. ففي جنوب أفريقيا، مثلاً، شارك كثيرون ممن خضعوا للدراسة في برامج أهلية للادخار، وهي برامج غير رسمية لكن شديدة الفاعلية، تعمل من خارج المؤسسات المالية المتوافرة. وعمد كثيرون في بنغلادش إلى الشراء بالأمانة من متاجر، والادخار لدى أشخاص موثوق بهم، واقترضوا من دون فوائد من أقارب وأصدقاء، وأرسلوا أموالاً إلى أهلهم في قراهم البعيدة. ويستخدم المؤلفون هذه الأمثلة وغيرها لدعم كثير من الاستنتاجات الرئيسة لعملهم هذا، منها أن الأفراد الخاضعين للدراسة أسسوا حياة مالية بدولارين يومياً لأنهم فقراء وليس على رغم أنهم فقراء، فهم يخشون من غياب الانتظام والاستقرار في مداخيلهم. ويحض الخبراء القطاعين العام والخاص في المجتمعات التي درسوها على تأمين خدمات مالية متنوعة للفقراء، تأخذ في الحسبان أن الدولارين يومياً هما مجرد قيمة متوسطة، تصعد وتهبط كثيراً من يوم إلى يوم في خلال شهر أو حتى أسبوع. ومن إنجازات الكتاب أنه اقتحم الضجيج الكبير المثار حول ما يمكن أن يُسمى المحافظ المالية الصغروية ليكشف ما يرغب فيه فعلاً أصحاب هذه المحافظ. وينبه إلى أن ما بات يُعرف بالقروض الصغروية يمكن أن يشمل تغطية الأعباء اليومية للحياة وليس فقط إطلاق مؤسسات تجارية صغيرة الحجم. وعلى رغم أن قروضاً كهذه مهمة للمجتمعات الفقيرة، فهي لا تساهم في حل مشكلة الفقر كما يرى اقتصاديون يمينيون، وفقاً للكتاب.