يذهب أبو جمال إلى مقر عمله يوماً واحداً كل شهر. اليوم الذي يتسلم فيه راتبه، فهو، كما يقول، رتّب أموره مع رئيسه المباشر في القوة الأمنية، مضحياً بنصف الراتب لمصلحة الأخير مقابل عدم الحضور يومياً . أبو جمال يعمل سائق تاكسي طوال الشهر ويتبرع بنصف راتبه إلى العقيد المشرف عليه مقابل عدم التزامه الدوام اليومي أو تلبية الواجبات والإنذارات الأخرى التي تستجد في الحالات الأمنية الطارئة. وهو لا يشعر بالقلق طالما انه رتّب أموره. لكن المشكلة تكمن في بعض زملائه الذين يتذمّرون من وضعه ويعدونه نوعاً من الضغط عليهم في العمل، فعناصر الشرطة الملتزمون يدفعون ثمن عدم وجود زملائهم «الفضائيين» وكلما زاد عدد هؤلاء داخل الفرقة أو الوحدة تلقى واجباتهم على زملائهم، فتقلص ساعات استراحتهم مثلما تقلص أيام إجازاتهم. ويؤكد شرطي عامل في حماية السفارات الأجنبية في بغداد أن « الفضائيين احد اهم أوجه الفساد في الأجهزة الأمنية، فالشرطي الملتزم يحرص على الدوام ثلاثة أيام متواصلة تقابلها 12 ساعة استراحة لزيارة عائلته، فيما يتمتع الفضائيون بحرية تامة، وهم لا يعرفون من العمل شيئاً. كل ما يعرفونه اسم المسؤول عن الفرقة أو الوحدة أو الآمر الذي يتقاضى نصف الراتب». ويضيف الشرطي: «عندما تحرك بعض قضايا الفساد في الوحدات يتفق القادة في ما بينهم على طرد بعض الفضائيين لإبعاد الشبهة عن أنفسهم والحصول على حظوة أكبر لدى من هم أعلى منهم رتبة». ويؤكد الشرطي الذي رفض نشر اسمه أو ذكر أسماء محددة لأولئك القادة أن «ثلث منتسبي القوة الأمنية التي يعمل معها، ونصف عدد منتسبي الفرقة العسكرية التي يعمل معها شقيقه من الفضائيين المتبرعين بنصف الراتب لقادتهم العسكريين». المفتش العام في وزارة الداخلية عقيل الطريحي قال ل «الحياة» إن «كشف قضايا الفساد المتعلقة بالأسماء الوهمية لمنتسبي الأجهزة الأمنية من أصعب الأمور التي نواجهها». وأوضح أن «الدائرة تلجأ إلى البحث المكثف والمتواصل لمعالجة الفساد المالي والإداري ومنها قضايا الأسماء الوهمية التي لا يتم اكتشافها إلا عند تقديم بعض المنتسبين شكاوى تتعلق بالموضوع. إن صمت بعض عناصر الشرطة وعدم تقديمهم شكاوى ضد آمريهم يفاقم الفساد» . أما أبو جمال الذي يعمل في جهاز الشرطة منذ أكثر من عامين من دون أن يلتحق بالعمل في شكل فعلي فلا يهتم كثيراً لقضية كشف الفساد، ولا يعتبر ما يفعله فساداً، إذ إنه يضحي بنصف راتبه ثمناً لسكوت الآمر. ويقول «لا يوجد شيء من دون ثمن، واكتشاف الأمر ليس بالسهولة التي يتوقعها الكثيرون طالما حافظ القادة على اتفاقاتهم والتزاماتهم، وطالما تهرب المنتسبون أنفسهم من تقديم الشكاوى خوفاً من الانتقام أو فقدان الوظيفة».