واشنطن - «نشرة واشنطن» - تفصل ما بين المناطق المحيطة ببحيرة بايكال في سيبيريا التي تكسوها الثلوج، والمنظومة البيئية شبه الاستوائية لمحمية «الإيفرغليدز» في ولاية فلوريدا الأميركية، مسافة قدرها 11 ألف كيلومتر، لكن حينما يتعلق الأمر بإدارة مثل هذه الثروات القومية فإن المنطقتين الطبيعيتين المحميتين لديهما الكثير من القواسم المشتركة. ويوضح المسؤول في مصلحة المتنزهات القومية الأميركية رودي دي أليساندرو، ان الموقعين مدرجان على قائمة «أونيسكو» لمواقع التراث الأثري العالمية، وأنهما مهددان بفعل التعديات البشرية التي تجرى بالقرب منهما. وحضر عشرون مدير محمية طبيعية ومتنزه قومي من روسيا إلى الولاياتالمتحدة للمشاركة في ورشة عمل والقيام بزيارة دراسية لمحمية «الإيفرغليدز» للتعرف إلى كيفية قيام الولاياتالمتحدة بإدارة شؤون محمياتها ولتبادل معلومات وتجارب مهنية، قد تثمران تعاوناً ثنائياً أوسع في المستقبل. واستمع الزوار الروس إلى مسؤولين من 3 وكالات حكومية أميركية ذات صلة بعملهم وزاروا عدداً من المتنزهات القومية والغابات ومحميات الحياة الفطرية في فلوريدا. وتمول هذه الزيارة «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» برعاية «اللجنة الرئاسية الثنائية الأميركية - الروسية» التي أنشئت عام 2009 لتحسين التنسيق بين البلدين في مجالات متنوعة. وضم الوفد الروسي 14 مديراً لمتنزهات ومحميات ومسؤولين من وزارة الموارد الطبيعية الروسية، وممثلين عن منظمات غير حكومية معنية بالبيئة. واستهل الوفد برنامج زيارته الأميركي بالاستماع إلى شرح موجز من مسؤولي «مصلحة الأسماك والحياة الفطرية» الأميركية و «مصلحة المتنزهات القومية» و «مصلحة الغابات الأميركية» التي تشرف على 553 محمية طبيعية و395 متنزهاً قومياً و155 غابة قومية. واطلع على لمحة مجملة عن تاريخ الهيئات الثلاث وعملها. وأثار اهتمام المسؤولين الروس في شكل خاص، كيفية التوفيق في الولاياتالمتحدة بين الاستخدامات العامة لهذه المناطق الطبيعية والرعاية البيئية. وتشمل المحميات الروسية 42 متنزهاً قومياً و102 محمية طبيعية، علماً ان الوصول إلى الأخيرة يقتصر بدرجة كبيرة على الباحثين العلميين. ويتيح مشروع قانون مطروح أمام البرلمان الروسي (الدوما) وصولاً أكبر للمواطنين إلى المتنزهات والمحميات، لكنه يوفر حماية للمنظومات البيئية. ويرمي التشريع الجديد إلى تحسين البنية التحتية، ووضع حد للتطوير السياحي العشوائي وتعزيز السياحة البيئية. وقال دي أليساندرو إن الزوار الروس «يمكنهم أن يتحققوا من أن نموذج المتنزهات القومية الأميركية قابل للتأقلم مع محمياتهم الخاصة، لأن الروس يشعرون بقلق من أن فتح هذه المناطق أمام مشاريع تجارية أكبر قد يتسبب في خرابها». وأشار رئيس الوفد الروسي الذي يشغل منصب نائب المدير العام في وزارة الموارد الطبيعية والبيئة الروسية، فزيفولود ستيبانيتسكي، الى أن بلاده قد تجد الأساليب الأميركية لإدارة المحميات والحياة الفطرية والتوعية بالبيئة والتواصل مع الجمهور، قابلة للتطبيق في روسيا. وكان محور النقاش الرئيس بين المسؤولين الروس ومسؤولي الهيئات الأميركية الثلاث في واشنطن، النموذج الأميركي لتخفيف أثر الزوار والسياحة على المناطق المحمية وإدارته. وأوضح المسؤول في «مصلحة الأسماك والحياة الفطرية» الأميركية مايك كارلو إنه يسمح فقط بالنشاطات التي تتناسب مع الحفاظ على البيئة في المحميات، مثل مراقبة الحياة الفطرية والتقاط صور للطبيعية والتثقيف البيئي. ونصح دي أليساندرو زواره الروس بأن يزيدوا معرفتهم بالأخطاء التي وقعت فيها «مصلحة إدارة المتنزهات» الأميركية. وقال: «يجب أن يقل لديكم عدد مراكز استقبال الزوار عما هي الحال لدينا، فهناك أربعة مراكز في «الإيفرغليدز» وثمانية في متنزه «ييلو ستون» القومي». وتابع: «كلما كان عدد هذه أقل كان أفضل، إذ نحن ننفق الكثير من الأموال على صيانة عشرات آلاف المباني في متنزهاتنا والمحافظة عليها، ولدينا عجز قدره 5 بلايين دولار في موازنة الصيانة». وفي ضوء وجود 20 ألف موظف وعامل في مصلحة المتنزهات القومية الأميركية، تحدث دي أليساندرو عن الدور الحيوي الذي يلعبه 150 ألف متطوّع في كل عام، يتبرعون بأعمال مجانية تقدر قيمتها ب72 مليون دولار. وأشار أليساندرو وكارلو إلى الأثر الاقتصادي الإيجابي للمحميات في المدن والبلدات المجاورة، إذ إن كل دولار يسدده دافعو الضرائب يخصص لمحميات الحياة الفطرية أو لمتنزه قومي، يعود بمردود يقدر ب4 دولارات على الاقتصاد المحلي. وشمل برنامج فلوريدا، الذي رتّب للمسؤولين الروس، زيارة لمتنزه «الإيفرغليدز» ومتنزه «بيسكاين» القوميين و «محمية شجر الأرز الكبير القومية» و «محمية سانت مارك للحياة البرّية». ويذكر أن «متنزه بات القومي للأحافير» في ولاية وايومينغ متوأم مع «متنزه خافيلينسكي القومي» الروسي. أما مدير متنزه «خفاليتنسكي»، الذي تبلغ مساحته 26 ألف هكتار في مقاطعة ساراتوف الروسية في منطقة وادي نهر الفولغا، فيكتور سافينوف، فأعرب عن أمله بأن يساعد برنامج الدراسة الأميركي في تطوير هذا التعاون إلى حد أبعد. وقال: «إننا بحاجة للحفاظ على التنوع الأحيائي وحماية الطبيعة»، مضيفاً أن العام الماضي كان «كارثياً» بسبب حرائق الغابات الهائلة التي اندلعت في روسيا خلال الصيف. ويجرى البحث في إنشاء روابط توأمة بين متنزهات أميركية وروسية أخرى.