إشكالية الشخصية العربية عموماً، سواء كانت في مركز المسؤولية، أو كانت مواطناً عادياً، هي في كيفية صناعة فن «الإدارة»، فمعادلة هذا الفن لا تتوافر عند كثير من الهيئات والجهات، وضمناً الأفراد. الإدارة التي كان يصفها الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، ب «الحياة» تفتقدها الكثير من الأماكن، التي بحاجة إلى خريطة إدارية جديدة، وقتها فقط ستحل كثير من الإشكاليات التي تواجهنا كمواطنين أو كدولة. وسط هذا الكم المتراكم من البيروقراطية، التي تبطئ حد الإعاقة كثيراً من القرارات الإيجابية الصادرة عن مستويات عليا في الدولة، نتلمس بصيص أمل في إدارات هنا أو هناك، تمنحنا الثقة في أن الجسد الإداري سليم ولله الحمد، وما يتساقط منه محفز للبقية على الأداء الأفضل، أو هكذا نظن، آملين ألا يكون ظننا هذا إثماً مبيناً. ولا يعني انتقادنا عدم وجود جهات تستحق التركيز عليها، أو نقل تجربتها لباقي مناطق المملكة، وما أقصده هنا هو منظومة «أمانة مدينة الرياض» المتناغمة والمنسجمة في آن. فعلى رغم الضغوط الهائلة التي تحملتها من منطلق الإحساس بأهمية الوقت في حل كثير من المشكلات بشكل عاجل، وعلى رغم الأزمات المخيفة التي كانت تفرضها ظواهر طبيعية مغايرة، وعلى رغم تشعب ما يطلب منها، سواء في رصف الطرق وهو ما يجب أن تقوم به وزارة المواصلات، أو صيانة الجسور وهو ما يجب أن تقوم به غيرها من الإدارات، أو حتى مراقبة جودة المعروض في السوق من مواد غذائية وهو دور وزارة الصحة ووزارة التجارة، إلا أن الملاحظ أنه في حال وجود أي إشكالية أو أزمة ما في هذه المناطق سرعان ما تتحرك الأمانة، بقياداتها كافة، وتنزل مباشرة لتلمس المشكلة من لحظة تكونها على أرض الواقع، وعقد فرق عمل على مدار الساعة لمتابعتها والعمل على حلها بشكل سريع ومباشر. هذه الآلية الإدارية التي تتبعها أمانة منطقة الرياض، يتلمسها كثير من المراجعين في إداراتها المختلفة، التي تسير فيها المعاملات بانسيابية تامة، وكأنها بالفعل «حياة» صحية سلسة، دونما بيروقراطية تعوقها، أو قرارات قائمة على غير دراسة أو تمحيص لما تصدر له أو به. منظومة متكاملة يقودها ويشرف عليها أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ويقوم فيها الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف بدور احترافي كبير، إذ إنه يؤدي عمله بصمت، ويفرض على فريقه تقديم أنفسهم بما يقومون به من عمل، وليس بصفاتهم الشخصية، وهو ما أثبت نجاحه، وبدت نتائجه تتضح في كثير من المواقف، التي كانت تشتد فيها المعارضة على قرار أو عمل ما، وبعدما يتلمس الجميع مدى صواب القرار الصادر من المعنيين والقائمين على الأمانة، إشرافاً وإدارة وتنفيذاً. إننا في مرحلة تستوجب الحضور الاحترافي، والمهني في مناحي حياتنا كافة، وهنا أود ألا أبدو كمشكك، في عمل البعض، أو منتقد له، قدر حرصي على أن أقول إنه قد يبذل بعض الأفراد أو حتى بعض الجهات، جهداً، ربما أكبر من جهد فريق العمل في أمانة منطقة الرياض، لكن آلية هذا الجهد، ومدى التزامه بالتنظيم الإداري الاحترافي، ومدى اقترابه من المشكلة، واختياره للتوقيت المناسب في التحرك لاحتوائها، هو الفارق، بل هو المحك، الذي يجب أن نلتزم به في أسلوب إداراتنا المستقبلية، لكثير من هذه الإدارات، خصوصاً تلك التي تكون على تماس مباشر مع المواطنين أو المقيمين في المملكة. [email protected]