على بعد ثلاثة أيام من الاستحقاق الانتخابي المقرر بعد غد الأحد، عاش لبنان أمس يوماً انتخابياً هادئاً نسبياً، خصص فقط للموظفين الذين سيقومون بدور رؤساء ومساعدين لرؤساء الأقلام وعددهم نحو 11 ألف ناخب، وذلك بناء لقرار وزير الداخلية زياد بارود الذي يعطي لرؤساء الأقلام حق الانتخاب قبل الانتخابات العامة. وانتخاب الموظفين في يوم مخصص لهم فقط، هو إجراء تم أمس للمرة الأولى في تاريخ لبنان، وكان اقتضاه قرار يتخذ أيضاً للمرة الأولى هو إجراء الانتخابات النيابية في لبنان ككل في يوم واحد. وأكد بارود خلال جولته على مراكز الاقتراع أن هناك مبالغة في ما يتم تداوله في الإعلام عن وجود بين أربعة الآف وعشرة الآف بطاقة هوية مزورة، كاشفا أن التحقيق جار مع المتورطين في تزوير إحدى البطاقات. وكانت صناديق الاقتراع فتحت السابعة صباحاً أمام الموظفين الذين سمح لهم بالتغيب عن وظائفهم للاقتراع في دوائر الأقضية في مختلف المناطق. وتوزع الناخبون على 30 صندوق اقتراع موزعة بحسب الدوائر وسط أجواء أمنية هادئة وفرتها القوى الامنية وتحضيرات لوجستية فائقة التنظيم اعدتها وزارة الداخلية. وسجلت نسبة إقبال مرتفعة، في حين لم تسجل أي حوادث أو اشكالات ذات أهمية. وفي تمام السابعة مساء، أقفلت الصناديق وختمت بالشمع الأحمر، ونقلت جميعها من العاصمة والمناطق الى المصرف المركزي في بيروت حيث ستحفظ حتى مساء بعد غد الأحد، ليتم فرزها مع صناديق الاقتراع الأخرى. تكثر قصاصات الأوراق البيض في أيدي الشبان الموزعين على مدخل قاعة بيال القريبة من وسط بيروت. أحدهم يرتدي سترة عليها الشعار الانتخابي لحركة «أمل» وصورة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والى جانبه شاب آخر يرتدي سترة عليها صورة أحد مرشحي المعارضة. الشابان «مندوبان جوالان» للمعارضة، وعلى بعد خطوات منهما يقف مراهق ممتلئ الجسد بسترة زرقاء وقبعة عليها شعار «تيار المستقبل»، وبجانبه مندوب آخر لأحد مرشحي فريق 14 آذار. حركة المندوبين في الساحة هنا، لا تذكر أبداً بحركتهم في أي يوم انتخابي آخر، وإن كان يوم انتخابات فرعية. اذ تكاد مهمتهم تقتصر على سؤال الآتي الى المكان عن الدائرة التي ينتخب فيها، يليه تزويده من مندوبي الفريقين باللوائح الخاصة به. هدوء حركة المندوبين النسبية في الخارج تكاد تنعدم في داخل مركز الاقتراع. فعلى جانب المدخل يجلس الصحافيون على كراس بلاستيكية، في مقابل الغرف الثلاث المخصصة للمقترعين في الدوائر: بيروت الأولى (77 ناخباً) والثانية (118 ناخباً) والثالثة (390 ناخباً). وعلى رغم تسجيل نسبة إقبال مرتفعة على الاقتراع خلال ساعات النهار، فإن الهدوء كان سيد نهار انتخاب الموظفين، ولم تتعد الاشكالات تلاسناً وقع بين رجلين على خلفية من سيدخل قبل الآخر الى قلم الاقتراع. وفي اقلام الاقتراع الثلاثة، زود رئيس كل قلم نسخة من قانون الانتخاب إضافة الى الدليل الشامل للانتخابات ودور كل من الناخب والمرشح والموظف والمراقبين والاشخاص ذوي الحاجات الخاصة، وايضا دليلاً لاجراءات الاقتراع والفرز، والحبر الخاص بالانتخابات والتعليمات حول كيفية استعماله، اذ تجدر الاشارة الى انه للمرة الاولى يضع الناخب ابهامه في عبوة صغيرة في داخلها حبر ازرق للتأكيد بانه ادلى بصوته ولن يكون بامكانه الاقتراع مرة ثانية في هذه الانتخابات. كما تسلم كل قلم العدة الكاملة من الاقلام الملونة والمظاريف الخاصة والمرقمة في دفاتر خاصة ونموذجاً خاصاً عن صور واشكال البطاقات المسموح دخول اصحابها الى اقلام الاقتراع لمراقبين واعلاميين وغيرهم من غير الناخبين، اضافة الى صندوق الاقتراع من البلاستيك الشفاف والمشفر او المرمز في شكل علمي وتقني، الى العازل الحديث الذي يتوافق مع جميع الناخبين ومن ضمنهم ذوو الحاجات الخاصة. ومنذ الصباح توالت زيارات المرشحين الى بيال. وقوبل وزير الداخلية زياد بارود بجملة أسئلة واستشارات من المقترعين، حيث فضل بعضهم أن يكون سؤاله للوزير بعيداً من الإعلام، فحرص الأخير على الاستماع الى الجميع والإجابة عن أسئلتهم وتوضيح الغامض منها. ورفض بارود الحديث عن طريقة كشف الهوية المزورة، وقال: «هذا سر»، مشيراً الى أن الجيش والقوى الامنية ستتخذ الاجراءات اللازمة لضمان حسن سير العملية الانتخابية، ومؤكداً أن «هناك شراكة بين الجميع في هذا الاطار وكلنا مسؤولون لضمان امن العملية الانتخابية». وعن اشارة بعض وسائل الاعلام الى ان التزوير تم في مشغل وزارة الداخلية، دعا بارود وسائل الاعلام الى «اعطائنا معلومات ومصادر، والا سنضطر الىاتخاذ تدابير في حق أي وسيلة». وجزم باستحالة «حصول أي تزوير في مشغل الوزارة من جميع النواحي التقنية والفنية، اذ يستحيل في ظل النظام المعلوماتي المعمول به أن يتم أي تزوير من أي نوع كان». أما في موضوع تقليد البطاقات، فأكد بارود أن «مثل هذا التقليد يمكن ان يحصل لأي نوع من انواع البطاقات، كالبطاقات المصرفية»، لافتاً الى أن «بطاقة الهوية المعمول لها منذ التسعينات جرت بطريقة يستحيل معها تزويرها، والوزارة اتخذت جملة تدابير سيعلن عنها السبت». وأوضح أن «الاستمارات التي توزع على المخاتير فيها درجة عالية من الامان الى درجة بات من الصعب معها التزوير بصيغة مسبقة، اضافة الى ان المختار يأخذ الامر على عاتقه في حال حصول تزوير، اذ يعتبر هو والشاهدان اللذان يوقعان على البطاقة مسؤولين»، مؤكداً ان «في حال الحصول على معلومات، سأتابع الموضوع وأوقف المعنيين بأي تزوير». وحول الحديث عن وجود بين 4 الى 10 الآف هوية مزورة، قال بارود: «فليعطوني اسماً واحداً من هذه الآلاف، ونحن نلاحق القصة»، معلناً أن «أحدهم قدم الي بطاقة هوية مزورة، فعملنا تحقيقاً في الامر واصبح لدينا موقوفون». وتفقد بارود أقلام الاقتراع. وقبل أن يغادر التقى عدداً من المراقبين الدوليين واللبنانيين ومراقبين تابعين لجامعة الدول العربية وآخرين من المركز الديموقراطي الوطني الذي تترأسه وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت. ولدى سؤال بارود احدهم عن تعليقه على سير العملية، أجابه المراقب الدولي: «عذراً لا يمكنني ان اصرح». وكان المرشح عصام أبو جمرا زار المركز صباحاً ورفض الاجابة عن اسئلة الاعلام المكتوب، واكتفى بالرد على سؤال لإحدى المحطات التلفزيونية، معرباً عن ارتياحه الى سير المعركة وللاجراءات المتبعة، ونصح «من ستصيبهم توترات مساء الاحد أن يأخذوا أدوية مهدئة». كما زار المركز المرشحان نبيل دو فريج وباسم الشاب اللذان اثنيا على حسن سير العملية. المناطق وفي المناطق، تحولت السرايات وبعض المؤسسات الرسمية الى مراكز اقتراع، زار بعضاً منها وزير الداخلية. وسجلت نسبة اقتراع مرتفعة جداً في بعض اقلام الاقتراع، في حين لوحظ غياب مندوبين للمرشحين المستقلين في اقلام الاقتراع في عدد من الدوائر. ولوحظ تسجيل المراقبين المنتشرين في تلك الاقلام عدداً من الملاحظات في إدارة العملية الانتخابية. وفي محيط مراكز الاقتراع، سجل اتخاذ إجراءات امنية لحماية هذه العملية الانتخابية حيث تولت عناصر من قوى الأمن الداخلي التموضع خارج أقلام الاقتراع وعند مداخل السرايات. وزار وزير الصناعة غازي زعيتر سراي بعلبك الحكومية، وسجل بعد لقائه قائمقام بعلبك عمر ياسين «عدم ورود اكثر من مئة اسم على لوائح الشطب الخاصة كما ان الاقتصار على اعتماد ثلاثة اقلام لدائرة بعلبك- الهرمل جعلت الاساتذة والموظفين الرسميين ينتظرون اكثر من ثلاث ساعات على باب القلم»، معتبراً أن «المعارضة ستحقق الفوز، لان خيار المعارضة الوطنية يعبر عن فكرة اكثرية اللبنانيين». وصدر عن النائبين أيوب حميد وعلي بزي بيان بعد تفقد مركز الاقتراع في بنت جبيل الرسمية، جاء فيه: «ان المهم في هذه الانتخابات ليس فقط الفوز وهو صفة لازمت هذه الارض واهلها، بل كثافة الاقتراع من اجل تمكين المعارضة من تحقيق انجاز سياسي عليه سيترتب مستقبل افضل للبنان». وجال النواب اسامة سعد، علي عسيران وميشال موسى وممثل «تيار المستقبل» في الجنوب المهندس يوسف النقيب على مركزي الاقتراع في مبنى السراي في صيدا، واطلعوا على سير العملية الانتخابية من محافظ الجنوب العميد مالك عبد الخالق. ولفت سعد الى أن «الجو السياسي والامني والانتخابي على احسن ما يرام والعملية الانتخابية يوم الاحد ستكون ناجحة بامتياز وان التحالف الوطني سيحقق الفوز»، آملاً من منافسه في صيدا الرئيس (فؤاد) السنيورة «الاعتراف بالنتائج»، أما عسيران فتمنى ان «تفتح بعد العملية الانتخابية صفحة جديدة في حياة المواطنين السياسية حتى لا تعود الدول الغربية تملي عليهم الشروط المفروضة منهم». وشدد موسى على حق التصويت للمواطنين وامل «بان تكون هناك كثافة في الاقتراع لانه حق دستوري». وجال عضو كتلة «التحرير والتنمية» النيابية علي حسن خليل على مركز الاقتراع في مرجعيون واطلع على سير عملية الانتخاب وأبدى امام الصحافيين ارتياحه الى لاجواء الهادئة والديموقراطية التي تتم فيها عملية الاقتراع، معتبراً «ان المعارضة حتما ستربح الانتخابات».