«اجلس هنا وانتظر، ريثما أجد لك عملاً»، جملة اعتاد كثير من ذوي الإعاقات البصرية سماعها عندما يتقدمون بطلب وظيفة في عدد من الشركات، الأمر الذي يشكل إحباطاً للمؤهلين منهمويقول المصاب بإعاقة بصرية صالح العمري (24 عاماً): « لم أستطع تقبل فكرة الجلوس لساعات طويلة في مكتب من دون عمل شيء، وأتقاضى راتباً لا يتعدى 1500 ريال»، ويضيف معبراً عن صدمته «لم أتخرج في الجامعة لأجلس من دون أن أعمل شيئاً. سألتهم عن العمل المحدد المطلوب مني، فأجابوا بأنه لا يوجد عمل محدد، لكنك تسطيع وضع ملفات فوق مكتبك إن أردت ذلك»، لافتاً إلى أنها ستكون فقط «للديكور». ويعتزم العمري الحاصل على «بكالوريوس» في اللغة العربية العام الماضي، العمل كمعلم في وزارة التربية والتعليم، وريثما يتم قبوله في الوزارة سيتقدم إلى وظيفة أخرى، يشغل فيها فراغه ويتكسب منها راتباً شهرياً مقابل عمل يكلف به، مشيراً إلى أن زملاءه المكفوفين انتظروا ثلاثة أعوام حتى تمكنوا من الحصول على وظيفة في الوزارة. وعلى رغم تأهيله ليمارس أعمالاً مكتبية، وقدرته على استعمال «الكومبيوتر» الناطق، إلا أن الوضع لم يتغير عندما تقدم إلى وظائف في شركات أخرى، وهو الآن عاطل عن العمل، وقال مستنكراً ومستغرباً: «لا يعقل أن أدرس لأكون مؤهلاً، و ينتهي بي المصير إلى هذه الحال». ويصف مرعي الناشري مسارات التوظيف لذوي الإعاقات البصرية ب«شعارات خاوية». وقال: «يأتي من خلالها مسؤول التوظيف في الشركة ليعرض علي وظيفة براتب 1500 ريال، من دون النظر إلى مؤهلي وشهادتي»، مشيراً إلى أن مسؤول التوظيف لا يعترف بالشهادة التي أحملها. ولا يجد الناشري الحاصل على «بكالوريوس» من قسم الدراسات الإسلامية من جامعة الملك عبدالعزيز، حلاً آخر سوى الانتظار، آملاً الحصول على وظيفة تعليمية في أقرب وقت ممكن، مشيراً إلى أن وزارة التربية والتعليم وظفت «سبعة آلاف مبصر في بداية العام، فلماذا لا تستطيع توظيف المكفوفين المتقدمين الذين لا يتعدى عددهم 45 شخصاً»، مبيناً أنهم طالبوا مسؤولي الوزارة النظر في أمرهم لكنها لم تستجب. ويمضي الناشري العاطل عن العمل منذ عامين في سرد معاناته بقوله: «درست في معهد النور ثم تخرجت في الجامعة، لأعود إلى بيت أهلي كما كنت بلا وظيفة»، مضيفاً: «هناك مسؤوليات مادية علي تحملها»، متسائلاً: «ماذا لو أردت الزواج؟، فراتبي 2000 ريال لا يكفي لمتطلبات الحياة والزواج». وفي هذا الخصوص قال الأمين العام لجمعية إبصار الخيرية محمد توفيق بلو «إن المعوق البصري يستطيع أن يقوم بأي عمل شرط أن يتلقى التدريب المناسب، وتوفير الأجهزة التكنولوجية الحديثة التي تساعده في تأدية وظيفته العملية، إضافة إلى تكييف بيئة العمل مع التوجيه والإرشاد لصاحب العمل في ماهية الأعمال التي يستطيع المعوق البصري تأديتها». وأضاف بلو أنه «إذا لم تتوافر هذه العناصر فسيكون رب العمل مضطراً لأن يحتفظ بوظيفة هامشية للكفيف مثل وظيفة «مأمور سنترال» ما يخلق للكفيف مشكلة، لأن صاحب العمل لا يستطيع تعيينه براتب مرتفع، وبالتالي ستخلق للكفيف وظيفة محدودة الدخل، وفرص تطويرها محدودة، وبذلك لن يرتفع راتبه لفترة طويلة». وزاد: «المشكلة ليست في إيجاد الوظيفة فقط، بل في أن تكون الوظيفة ذات طابع تنافسي تسمح للكفيف بأن ينمي دخله الشهري، لأن كلفة الحياة ومسؤولياته الاجتماعية في زيادة، وإذا لم يحصل ذلك فسيجد الكفيف نفسه غير قادر على تلبية حاجات عمله لأن لديه مشكلات وأعباء نفسية قد تنعكس عليه، وتؤثر عليه معنوياً وبالتالي تؤثر على أداء عمله». وأوضح بلو أن من المهم أن يكون رئيس الموارد البشرية على علم بالخواص والسمات المهارية والنفسية والاجتماعية لذوي الإعاقة البصرية، مشيراً إلى اكتسابهم قدرات بسبب الحاسة التعويضية، القابلة للتنمية، ما يجعلهم متميزين أكثر من الآخرين، وهو الأمر الذي يمكن استثماره، إذ يكون مستوى الذكاء عند الكفيف عالياً و ذاكرته قوية. br / ولفت إلى أنه على رغم وجود عدد من الشركات لديها رؤية بعيدة المدى في التنمية البشرية وتهتم في توظيف المكفوفين، إلا أن الإقبال على توظيفهم غالباً ما يكون على استحياء، وأضاف: «يريد البعض فقط الاستفادة من حافز السعودة (توظيف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة يساوي توظيف أربعة أشخاص)، وهناك قطاع مشفق لديه موازنة معينة في المسؤولية الاجتماعية يتعامل معهم بشفقة وعاطفة، من دون القناعة بمقدرة الكفيف»، ويرى مستشار برنامج السلوك الاجتماعي في الخدمة الطبية الاجتماعية في مكةالمكرمة الدكتور عادل الجمعان أن المجتمع يحتاج إلى ثقافة التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة عموماً، وذلك ليس فقط في طبيعة العمل الذي يقومون به، بل في كيفية التعامل معهم كأشخاص أصيبوا بمشكلة لم يكن لهم يد فيها، إما منذ الولادة أو بحادثة مرورية.