مواقف السيد عمرو موسى أمين جامعة الدول العربية متغيّرة على الدوام، فإضافة إلى تخصصه في الحركات التي يقصد من ورائها خطف قلوب الناخبين المحتملين في جمهورية مصر العربية، هو أيضاً محترف في تمييع المواقف بحيث تكون النتائج دائماً في صالحه شخصياً، بصرف النظر عمّا يمكن أن يلحق بمؤسسة الجامعة العربية من أضرار على المديين القريب والبعيد. موقفه من الثورة التونسية كان كالعادة أبوياً، فمبجرد إقصاء زين العابدين بن علي من رئاسة الجمهورية، وجّه موسى كلمة مؤثرة لبقية الزعماء العرب يحذّرهم فيها من احتمال انتقال الموجة البوعزيزية لبلدانهم ما لم يسارعوا الى إصلاحات جذرية في أنظمة الحكم، مخالفاً بذلك السياسات التي تنظّم صلاحيات وظيفته كأمين عام للجامعة العربية، والتي تفرض عليه أن يتحدث باسم المجموع العربي وليس باسمه شخصياً. موقفه أيضاً من ثورة شباب مصر كان مبكياً ومضحكاً في الوقت نفسه، إذ تداخلت فيه ثلاثة محاور لا يمكن بأي حال من الأحوال جمعها في حزمة واحدة: الأول طمعه القديم المتجدد في حكم مصر منذ أن كان وزير خارجية في تسعينات القرن الماضي، والثاني علاقته الشديدة التعقيد بالرئيس السابق حسني مبارك، والثالث تمثيله للجامعة العربية وضرورة تبني الرأي العربي حيال ما يحدث في مصر. هذه المحاور الثلاثة جعلتنا لا نعرف، خلال أيام الثورة المصرية، ماذا يريد بالضبط، أو بالأحرى لا يعرف هو شخصياً ماذا يريد بالضبط. فعلاقته مع حسني مبارك منعته في البداية من إبداء رأيه في ما يحدث في ميدان التحرير وهو المتعوّد دائماً على إدخال العام بالخاص، إلى الدرجة التي لم نعد نحن، كمواطنين عرب، نستطيع التمييز بين عمرو موسى المواطن المصري وعمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، ثم ما لبث أن تخلّص من سطوة التبعية لمبارك بعد أن تأكد أن الرجل راحل لا محالة، وقال عبر قناة «العربية» إنه على استعداد لخدمة مصر في أي موقع، رداً على سؤال مذيع «العربية» الزميل محمود الورواري عمّا إذا كان في نيته الترشّح لرئاسة مصر في الفترة المقبلة. ثم أخذه الحماس بعدها بأيام ونزل إلى ميدان التحرير ليشارك المتظاهرين اعتصامهم طمعاً في كسب مغنم التحوّل قبل السقوط الأخير، لكي لا يقال إنه غيّر موقفه تجاه حسني مبارك بعد رحيله وليس قبله. وبعد أن ذهب الرئيس وذهبت معه سطوته وعلاقاته السابقة، أعلن موسى أن ليس في نيته الترشّح من جديد لأمانة الجامعة العربية في آذار (مارس) الجاري، تمهيداً للدخول في سباق الرئاسة المصرية الذي نأمل أن يكون سباقاً حقيقياً بعد 6 أشهر من الآن. كل هذه الفوضى التحولاتية حدثت وهو على رأس أمانة الجامعة التي لم يصدر منها كتجمع عربي موقف واحد يحمل رأياً موحّداً للدول العربية خلال فترة التغيير المصرية. ناور موسى وتحايل على وجوده في الجامعة ليصنع له موقفاً شخصياً يتلاءم مع المرحلة المصرية المقبلة، ضارباً بعرض الحائط كل مسؤولياته التي يحتّمها عليه عمله كمنسق عام لمواقف الدول العربية. أما موقفه من الثورة الليبية كأمين عام للجامعة، فمن الواضح للمتابعين أنه نابع من موقف شخصي ساهم في تشكيله ضغط النصف الرئاسي المتشكّل الآن في شخصيته بانتظار اكتمال القمر الرئاسي بعد ستة أشهر! ومن ذلك تصريحه الذي خرج به علينا يوم الخميس الماضي المتمثل في بحث الجامعة العربية مبادرة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الذي يقترح إرسال وفد دولي إلى ليبيا للتوسّط بين الثوار والعقيد معمر القذافي. عمرو موسى الذي كان ينحاز دائماً للشعوب ضد حكامها مخالفاً متطلبات وظيفته العربية، صار الآن من سعاة الصلح لإبقاء الحكّام في مناصبهم! كان شعبياً عندما كانت الحاجة تتطلب «الشعبنة»، وأصبح بعد سقوط حسني مبارك وخلو الطريق للرئاسة، حكومياً يحاول قدر المستطاع الحفاظ على من يحلم بالتشبّه بهم! كلنا نعرف أن موقف تشافيز - وهو الذي أردت الحديث عنه في هذا المقال لو لم يأخذني عالم عمرو موسى - مبني على صداقته الثورية مع العقيد معمر القذافي وكرهه الشديد للأميركيين، ففي البدء قال تشافيز: «إن الجميع يصف القذافي بالقاتل، وهم يريدونني أن أفعل الشيء نفسه، لكنني لن أحكم عليه قبل معرفة تفاصيل ما جرى، فالقذافي صديقي منذ زمن بعيد». ثم عاد بعد ذلك ليقول إن أميركا تدق طبول الحرب ضد ليبيا وذلك بتضخيم ما يجري الآن وتشويه الحقائق لتبرير الغزو واحتلال منابع النفط الليبية. ويتضح من التصريحين أن موقف تشافيز ينسجم تماماً مع تاريخه شخصياً في عزل الشعوب عن واقعها وإقصائها عن حقوقها، فهو يرى في الشعب الليبي الطامع للحرية وحكم نفسه بنفسه، ما يراه في الشعب الفنزويلي، إذ لا حق للشعبين في الحديث عن المشاركة الشعبية في الحكم ما دام القذافي وتشافيز يعتليان عرشي البلدين! تشافيز يريد أن يرسل وفداً دولياً لينقذ صديقه من السقوط من خلال إضفاء شرعية دولية لوجوده بعد أن فقدها محلياً نتيجة لعملياته الوحشية ضد مواطنيه! وهو بذلك يؤكد للجميع أن تدخله في الأزمة الليبية ما هو إلا عملية إسقاط على نفسه، فما سيجري على معمر القذافي قد يجري عليه يوماً ما، ونجاح معمر في القضاء على الثوار والبقاء في الحكم ملهم لتشافيز وأشباهه وإشارة إلى أنهم قادرون أيضاً على القضاء على أي ثورات مستقبلية. كل المتابعين يعرفون ما وراء مبادرة تشافيز. وحده عمرو موسى لا يعرف للأسف الشديد، أو أنه يعرف لكن الحلم الرئاسي يمنعه من التصريح بذلك! * كاتب وصحافي سعودي [email protected]