أنكر عدد من المثقفين السعوديين ما حدث مساء الأربعاء الماضي في معرض الرياض للكتاب، من مجموعة تطلق على نفسها «المحتسبين»، مؤكدين أن مثل هذا السلوك يسيء إلى صورة المملكة، كما يشوه التظاهرة الثقافية الكبرى التي يمثلها معرض الرياض، وتحظى بإقبال ومتابعة من شرائح واسعة في المجتمع. وطالب هؤلاء في استطلاع ل«الحياة»: بإيقاع العقوبة على أولئك «المحتسبين» ليرتدعوا مستقبلاً. فيما أكد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، أن الجميع تهمُّه مصلحة الوطن، مضيفاً: «كلنا لنا آراء، أحياناً نتفق فيها وأحياناً نختلف، وليس عيباً أن نختلف، وإنما المهم أن نوصل آراءنا بالطريقة الصحيحة المناسبة والحسنة والطيبة والحضارية»، مشيراً إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «وجّه بإنشاء قاعدة للحوار، والقرآن الكريم أمرنا بأن نجادلهم ب«التي هي أحسن»... والحوار مهم وإيصال رسالة أي شخص لابد من أن تكون بالطريقة الحضارية. وأعتقد أنه لا ضير من أن نختلف مع شخص آخر، المهم كيف نوصِل هذا الرأي إلى الآخر بالطريقة المناسبة؟». وقال في تصريح صحافي إن «معرض الكتاب سيستمر، وهو واجهة حضارية لبلدنا، وأتمنى عدم تكرار ما حصل سابقاً. وأرجو أن يكون حضورنا واسعاً في مثل هذه الموضوعات»، موضحاً أن وزارة الثقافة والإعلام تستقبل جميع الشكاوى عبر إدارة المعرض، إضافة إلى البرنامج الاجتماعي على شبكة الإنترنت «الفيس بوك»، ويتم الرد عليها مباشرة. وقال عضو مجلس الشورى الدكتور محمد آل زلفة إن ما حدث «سلوكياتٌ خاطئة، وتجاوزاتٌ غير مسؤولة، وأنا لا ألومهم لأن مثل هؤلاء لديهم انطباعات مسبقة عن الثقافة، وينظرون إليها على أنها سلبية على ثقافة الإنسان، ويتحركون من خلفيات مشوهة عن المثقفين والمناشط الثقافية. وأتمنى أن يراجعوا أنفسهم، وليس لأحد وصاية على أحد»، متمنياً أن يرتقي أولئك بوعيهم «وأن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة». فيما أبدى بندر عثمان الصالح أسفه لما حدث. وقال: «ذهب فكري بعيداً، وأنا أتابع ما حدث بحزن شديد، بأن هؤلاء تناسوا شيئاً اسمه وطن، وكل شيء قابل للعبث إلا الوطن ومقدراته، وللأسف الشديد كنت شاهداً على ما حدث، ورأيت بعيني أنهم جيل صغير لا يتجاوز الكبير فيهم عمر ال25 من العمر، وأنا لا ألومهم إنما ألوم إهمال البيت الذي تقع عليه مسؤولية التربية». وقال الكاتب محمد ناصر الأسمري إن ما حصل «شيء مخجل ومؤسف، ولكنهم قلة لا تمثل غالبية المجتمع السعودي، لا في السلوك أو طريقة التعبير. وهؤلاء يتمظهرون ويستعرضون أكثر من أي شيء آخر، لكي يقال لهم في الأوساط التي ينتمون إليها إنهم أحدثوا عملاً يُؤجرون عليه، وأنهم موجودين في الساحة وهم ليس لهم أي تمثيل يمكن أن يؤثر أو يوقف النهوض الفكري والتقدم الحضاري الذي تعيشه المملكة، وحرية الفكر وانفتاح أوعية المعلومات المؤمل منهم الاستفادة منها، في تغيير أساليب التعبير وإيصال رسائلهم بالطرق الحضارية الراقية للجهات المسؤولة والمنظمة لأي تظاهرة ثقافية». وأوضح الكاتب خالد سليمان: إن «هذه الكثافة العددية واستعراض القوة ليس له ما يبرره في تظاهرة ثقافية وواجهة حضارية للمجتمع السعودي، لأن هناك في المعرض جهات مسؤولة ومنظمة تتلقى الشكاوى، وتتفاعل مع ما يرفع إليها بطريقة حضارية، بعيداً عن التطاول والتجاوز ورفع الصوت وإثارة الشغب في المعرض. مثل هذه الأحداث تسيء للطابع الإنساني والحضاري، وهذه الصورة لا تعبر عن السلوك الإسلامي في طرق النصيحة». وقال الشاعر إبراهيم الجريفاني: «يجب أن نؤكد نقطة أساسية، وهي أن المعارض الدولية للكتاب واجهة ثقافية لكل دولة، وفرصة لترسيخ وتقديم أخلاقياتها، والمستوى الذي وصلت إليه من وعي ثقافي وأخلاقي. ومعرض الرياض يجب أن يعكس أخلاقيات وسلوكيات المجتمع السعودي». ويرى الكاتب عبدالله الكعيد أن مَن لا يؤمن بالدولة المدنية ولا بضوابط القانون والنظام، «يريد تطبيق شريعة الغاب وسيادة الفلتان، بحيث يغير كل فرد ما لا يعجبه بيده. وما حدث في معرض الرياض الدولي للكتاب من تدخّل من يسمّون بشباب الاحتساب لإثارة الفوضى يعتبر خروجاً صريحاً على القانون، والنظام يستوجب العقاب بلا تردد أو لين، لأن لكل نشاط مرجعيّة تعتبر المسؤول المباشر عن النشاط، وتمثّل الشرعية الرسمية للدولة، وهي هنا وزارة الثقافة والإعلام، وكل من يتدخل في عملها يعتبر مُخلاً بأنظمة الدولة. لهذا أُطالب بإيقاع العقوبة على هؤلاء المتطفلين ليرتدعوا مستقبلاً، وليعلم غيرهم أن الكلمة الفصل في مثل هذه الأمور هي للأجهزة والمؤسسات الرسمية لا ل«الملاقيف» أو للخارجين على القانون».