تبرز عقدتا ضمان مظلة دولية لأي تدخل عسكري وضبط المرحلة الانتقالية لما بعد نظام العقيد معمر القذافي في سلّم التحديات التي تواجهها واشنطن خلال مراجعتها للخيار العسكري في ليبيا. فالإدارة، وبحسب مصادر رسمية، لن تقبل في الدخول في أي تحرك عسكري من دون ضوء أخضر من الأممالمتحدة، ومن دون مسار واضح ومنظّم يلي فرضية إطاحة النظام الحالي. ومن الناحية النظرية يرى الخبير في مركز الأمن القومي الأميركي ريتشارد فونتاين أن الظروف المحيطة بالأزمة الليبية تجعل الخيار العسكري «منطقياً» إنما بالغ التعقيد أيضاً. فمن ناحية، هناك مبررات حقيقية لتدخل إنساني، وأول هذه المبررات «شخصية القذافي» باعتباره «متوهماً»، كما وصفته السفيرة الأميركية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس، و «صاحب قدرة على ارتكاب مجازر ضد شعبه»، الأمر الذي يبدو أنه يخيف الإدارة إلى حد كبير اليوم. ويأتي استقرار المنطقة والمصالح الجيو - استراتيجية والنفطية لواشنطن والأوروبيين في ليبيا كسبب آخر وراء ضرورة إيجاد مخرج سريع للأزمة بما يمنع امتدادها لشهور وتحوّل ليبيا ملاذاً للتطرف. وتقف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومعها السفيرة رايس ومستشارو أوباما في مجلس الأمن القومي وبينهم سامنتا باور ومايك ماكفول في صف المؤيدين لتحرك فاعل لردع القذافي ومنع تكرار تجربة مذابح رواندا والبوسنة مرة أخرى، إذ أن المجتمع الدولي تأخر عن التحرّك في العامين 1994 و1995 خلال فترة وقوع المجازر الجماعية هناك. وفي المقابل، تمثّل وزارة الدفاع «البنتاغون» والوزير روبرت غيتس وفريقه الخط الأكثر تحفظاً إزاء أي عمل عسكري، وهو ما اتضح في تصريحات القيادات العسكرية وتأكيدها أن أي حظر جوي سيشمل ضرورة تدمير الدفاعات الليبية وهو أمر بالغ التعقيد. غير أن كلينتون أكدت أن هناك «خططاً معدة» ومراجعات لاتخاذ إجراءات فاعلة يشارك فيها «البنتاغون»، وكان جزء منها تحرّك السفن وحاملات الطائرات في الأيام الأخيرة إلى مياه المتوسط. إذ على رغم كون الوزير غيتس من الوجوه الأكثر معارضة لتدخل عسكري في الشرق الأوسط، وهو الشخصية التي تشرف على إيجاد مخرج من مأزق حربي العراق وأفغانستان، فإن المضي في خيار عمل عسكري ضد نظام القذافي سيحسمه البيت الأبيض. ويشدد مسؤولون أميركيون على أهمية وجود مظلة دولية من خلال الأممالمتحدة لأي تحرك يشمل القوة ضد القذافي. ويصاحب هذا التوجه رفض معلن لتحرك أميركي انفرادي في الأزمة. وفي هذا السياق يلفت فونتاين إلى أن المعضلة الرئيسية أمام ذلك هي رفض روسيا خيار القوة، وحذر فرنسا في إعطاء ضوء أخضر لحلف شمال الأطلسي للتدخل. ومن دون موافقة روسية في مجلس الأمن أو استعداد فرنسي لتكليف حلف «الناتو»، يبقى الخيار العسكري مستبعداً لدى الإدارة. وتبرز الاعتبارات السياسية ومرحلة ما بعد القذافي كالشق الثاني الذي يعقّد العمل العسكري اليوم. إذ تخشى واشنطن تكرار كابوس التدخل العسكري في الصومال في 1992-1993 والذي فشل بسبب عدم وجود جهة واضحة لتولي القيادة هناك. وعلى رغم أن الاتصالات الأميركية مستمرة مع المعارضة الليبية، فهناك مخاوف من انشقاقات داخل هذه المعارضة ومدى قوة القذافي التي قد تعرقل أفق الخيار العسكري في المدى الأبعد. وبرهنت الأسابيع الأخيرة، بحسب مراقبين، بأن قوة القذافي والموالين للنظام أكبر من التقديرات الأولية، خصوصاً أنه ما زال يسيطر بإحكام على العاصمة طرابلس كما أن لدى الكتائب الموالية له أسلحة وقدرات تدريبية أكبر من التي يحظى بها الثوار، ما قد يجعل الخيار العسكري الخارجي ضرورياً لحسم المعركة ... في حال تم إيجاد بدائل للنظام ومظلة دولية.