الرجبان - أ ف ب - أصبح شهيد الغرب الليبي! إنه أسامة الطبال الذي سقط في 16 شباط (فبراير) في الرجبان برصاص قوات الزعيم الليبي معمر القذافي بينما كان يهتف: «فليسقط القذافي». بعد يوم من اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظام القذافي، كان اهتمام أسامة (29 عاماً) لا يزال ينصبّ على بناء منزل يعيش فيه بعد زفافه، إلا أن الدعوة إلى الخروج في احتجاجات ضد نظام القذافي كانت أقوى من أي شيء آخر. في أثناء عودته من عمله مساء 16 شباط، كان الجو في البلدة مشحوناً. ففي الليلة السابقة، كانت عائلة الطبّال تتابع أخبار انطلاق الثورة على التلفزيون وتشاهد مقتل شخصين في بنغازي، المدينة التي انطلقت منها الثورة المناهضة للقذافي. وقال والده محمد الطبال (72 عاماً) لوكالة «فرانس برس»: «كنا نشاهد الأخبار. والجميع كانوا يتحدثون عن بدء ثورة. وشعرنا بالقلق». وانتشرت الكتابات الجدارية المناهضة للنظام في البلدة، واشتعلت الحماسة في نفوس أشقاء اسامة الخمسة، ولكن أسامة ظل منشغلاً في بناء منزله. قال والده إن آخر كلماته كانت «سأذهب لتفقد عمال البناء الذين لم يأتوا للعمل خلال اليومين الماضيين». ويتذكر شقيقه الأصغر كيف انه عندما خرج أسامة من باب منزله، استرعت الاحتجاجات انتباهه. وقال: «لم يكن منتبهاً للاحتجاجات. ولكن عندما خرج للتسوق، شاهد الشباب يتجمعون عند ساحة الشهداء ويطلقون شعارات منددة بالقذافي ويحرقون الاطارات، فتحمس للانضمام اليهم». ومضت الساعات ولم يعد أسامة الى المنزل. ولم يجب على هاتفه النقال. فما كان من والده الذي استبد به القلق إلا أن ارسل ابنه الأكبر صلاح (44 عاماً) للبحث عنه. وقال الوالد ان ابنه صلاح «اخبرني انه شاهده في وسط الحشود، وأن عيارات نارية اطلقت، وأنه شاهده يهرب، وأنه اصيب برصاصة». وبعد منتصف الليل، خرج الرجل المسنّ يتحدى ظلام الليل لعله يحصل على أي أخبار عن ابنه. وقال: «كانت العربات المسلحة برشاشات تسد الطرقات، وكان رجال الشرطة يطاردون الشباب الذين كانوا يفرون في جميع الاتجاهات، وكانوا يوقفونهم ويعتدون عليهم». وأوقف شرطي غطى وجهه بكوفية محمد وأخذ يستجوبه بغضب. وصرخ شرطي آخر فجأة «لقد اطلقت عليه النار»، في إشارة إلى أسامة. ولكن في المستشفى، لم يتم السماح لمحمد بالدخول، ورفضوا أن يؤكدوا له ما اذا كان ابنه قتل ناهيك عن رؤيته. وتمكن محمد من اخذ جثة ابنه بعد يومين عقب مفاوضات مع السلطات التي طلبت القيام بأمور عدة كشرط لتسليم الجثة ومن بينها ان يظهر سكان الوجدان دعمهم للقذافي. إلا أن الوجدان سقطت في أيدي الثوار، وانشق رجال الشرطة والجنود وانضموا اليهم، وأفرجوا عن 18 شاباً كانوا معتقلين وسلموا جثة أسامة الى عائلته. وشارك المئات في جنازته، جاء عدد منهم من مدن وبلدات مجاورة مثل زنتان وجادو اللتين سقطتا في ايدي الثوار في الوقت ذاته. وتحولت الجنازة الى مسيرة اختلطت فيها مشاعر الغضب بالألم. وكان اسامة ثالث شهيد للثورة وأول شهيد في غرب ليبيا التي وعلى عكس المناطق الشمالية والشرقية، لم تشهد حمام دم على ايدي قوات النظام. ويقول ابوجله (44 عاماً) الذي يعمل فنياً: «الناس كانوا يهتفون بغضب ضد القذافي قاتل الشباب. كانوا غاضبين». وأضاف: «كانوا يهتفون «فليسقط القذافي» و «القذافي عدو الشعب» ولكنهم لم يبكوا لأنهم كانوا يعتبرون أسامة شهيداً». ويفخر ابناء البلدة الآن برواية هذه الحكاية. وأُعيدت تسمية «ساحة الشهداء» باسم «ساحة أسامة محمد الطبال». وحمل المتظاهرون في انحاء المنطقة صورة اسامة. وكُتب اسمه على جدران البلدة وعلى مواقف الحافلات وعلى مباني البلدية التي كانت رموزاً للقذافي. أما والد أسامة، فإنه يحمل الألم في صدره في إباء صامت. ويقول: «في داخلي، أنا حزين. ولكنني فخور به لأنه ضحى من أجل الحرية، ومن أجل حرية التعبير ومن أجل الشعب والبلاد».