قررت السلطات في مصر أمس منع الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته من السفر والتحفظ على أموالهم، فيما استبق الجيش تظاهرة مليونية مقررة الجمعة بالتعهد لممثلي حركات شبابية بإقالة حكومة أحمد شفيق قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المرتقبة. والتقى أمس الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى رئيس حكومة تصريف الأعمال الفريق أحمد شفيق في مقر مجلس الوزراء في وسط القاهرة. وأفيد أن اللقاء الذي استغرق نحو ساعة بحث في الأوضاع الداخلية، كما تطرق إلى مرشح مصر لخلافة موسى في منصب الأمين العام للجامعه العربية. ومنع المصورون والتلفزيون من حضور اللقاء، فيما رفض موسى لدى مغادرته الإدلاء بأي تصريحات. ويأتي اللقاء بعد يوم من إعلان موسى نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتستأنف البورصة المصرية نشاطها اليوم بعد توقف دام شهراً وسط مخاوف من انهيارات كبيرة، فيما استمرت أمس الاحتجاجات الفئوية في هيئات عدة على رغم تحذير الجيش في رسائل قصيرة بثها على الهواتف المحمولة من أن «قيام بعض القطاعات بتنظيم وقفات احتجاجية على رغم عودة الحياة الطبيعية يؤخر مسيرتنا». وأصدر أمس النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قراراً بمنع مبارك وأفراد عائلته من السفر خارج البلاد والتحفظ على أموالهم. وشمل القرار مبارك وزوجته سوزان ثابت ونجليه علاء وجمال وزوجتيهما هايدي راسخ وخديجة الجمال، كما يحظر تصرفهم في أموالهم المنقولة والعقارية والنقدية والأسهم والسندات ومختلف الأوراق المالية في البنوك والشركات وغيرها. وحددت محكمة استئناف القاهرة السبت المقبل للنظر في الطلب. ويعد القرار الأقوى الذي يتم اتخاذه حتى الآن ضد الرئيس السابق منذ أطاحته. وكان النائب العام أصدر قراراً بالتحري والتحقيق في ثروات محتملة لمبارك وأفراد عائلته، قدرتها تقارير صحافية بما يتراوح بين 40 و70 بليون دولار. وقال الناطق باسم النيابة العامة المستشار عادل السعيد إن القرار «جاء في ضوء ما تلقته النيابة من بلاغات متعددة تشير إلى تضخم ثروة الرئيس السابق وأفراد أسرته داخل البلاد، إلى جانب أنه تم إخطار جميع البنوك والجهات المختصة في الدولة لتنفيذ تلك القرارات». وأشار إلى أن «النيابة كانت تلقت بعض البلاغات عن تضخم ثروة الرئيس السابق وأسرته بطرق غير مشروعة في داخل البلاد، وباشرت التحقيقات فوراً بسؤال مقدمي البلاغات في ما تضمنته، وقدم بعضهم أوراقاً تستلزم التحقيقات للتأكد من صحتها عن تضخم هذه الثروة». وأشار إلى أنه «تم إرسال صور البلاغات إلى الأجهزة الرقابية المختصة للفحص وجمع المعلومات والمستندات»، موضحاً أنه «في إطار الحفاظ على أموال الدولة، سبق أن أصدر النائب العام قراراً بتجميد أموالهم وأرصدتهم في الدول الأجنبية وأرسل كتاباً إلى وزارة الخارجية لمخاطبة السلطات القضائية في تلك الدول لاتخاذ الإجراءات اللازمة في ضوء نصوص الاتفاقات الدولية، كما تم إخطار إدارة الكسب غير المشروع في وزارة العدل لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة». وقرر أمس جهاز الكسب غير المشروع اتخاذ إجراءات كشف سرية الحسابات المصرفية الخاصة بمبارك وأفراد عائلته، في أعقاب التحقيقات التي باشرها الجهاز في بلاغ أحاله عليه النائب العام. وأمر مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع المستشار عاصم الجوهري بتكليف الأجهزة الرقابية بإجراء تحرياتها لمعرفة ما إذا كانت هناك أرصدة أخرى لأسرة الرئيس السابق مبارك في البنك الأهلي المصري أو غيره من البنوك المحلية أو الأجنبية داخل البلاد وموافاة الجهاز بها. وكان البلاغ اتهم مبارك وأسرته «باستغلال نفوذهم وجمع ثروة بصورة غير مشروعة وصلت إلى 250 مليون جنيه في بنك واحد، هو البنك الأهلي المصري فرع مصر الجديدة». وتضمن أكثر من 40 مستنداً عن هذه الحسابات، إذ بلغت حسابات علاء مبارك 10، وجمال مبارك 8، وسوزان مبارك 6، إضافة إلى حساب مكتبة الاسكندرية الذي يضم 145 مليون دولار، معظمها منح دولية، وتتولى سوزان مبارك إدارته بمعرفتها. في غضون ذلك، أكد عضو «ائتلاف شباب الثورة» الناشط أحمد ماهر أن المجلس العسكري تعهد إقالة حكومة شفيق قبل الانتخابات البرلمانية المتوقعة بعد شهرين. وكان وفد يضم 25 شاباً ينتمون إلى حركات عدة، التقوا مساء أول من أمس قيادات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعرض مطالبهم. وقال ماهر الذي حضر الاجتماع ل «الحياة»: «تلقينا تأكيدات من الجيش أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال وستُقال قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المرتقبة. لكن لم يحدد لنا إطار زمني لاتخاذ تلك الخطوة». وأوضح أن الاجتماع الذي استمر حتى الساعات الأولى من صباح أمس وحضره من الجيش مساعد رئيس الأركان مدير التنظيم والإدارة اللواء محمود حجازي ومساعد وزير الدفاع اللواء محسن الفنجري، تطرق إلى فض الشرطة العسكرية بالقوة اعتصاماً الجمعة الماضي، وان «قيادة الجيش أكدت أن تحقيقاً يجري في تلك الأحداث وأن المسؤولين عنها سيتم عقابهم». وأشار إلى أن «المجلس العسكري أكد لنا انهم بصدد حل جهاز أمن الدولة وإعادة هيكلة وزارة الداخلية»، وهو مطلب أساسي للمحتجين إضافة إلى إقالة حكومة شفيق. وأوضح أن «شباب الائتلاف طالبوا المجلس العسكري بإنشاء مجلس رئاسي يضم شخصيات مدنية وعسكرية على أن يحكم هذا المجلس البلاد لفترة انتقالية مدتها سنة، غير أن قادة الجيش أبدوا تحفظهم على هذا الطلب ووجدناهم متمسكين بتسليم السلطة بعد ستة أشهر». وأضاف: «أكدنا أيضاً ضرورة إطلاق المعتقلين وطلب منا قادة الجيش قائمة بأسماء المعتقلين السياسيين ووعدوا بإطلاق سراحهم فور ورود أسمائهم». وإذ أكد ماهر أن اللقاء «كان مثمراً»، شدد أيضاً على أن «التفاوض مع الجيش ليست له علاقة بوقف النزول في تظاهرات مليونية يوم الجمعة المقبل»، مشيراً إلى أن «شباب الثورة مستمرون في النزول إلى ميدان التحرير كل أسبوع حتى تتم الاستجابة لمطالبهم». وعلى رغم تأكيده أن «خطوة العودة إلى الاعتصام مجدداً في ميدان التحرير لم يتفق عليها»، فإنه شدد على أنها «مطروحة في حال وجدنا تقاعساً من جانب المسؤولين». غير أن اللجنة التنسيقية ل «حركة ثورة 25 يناير» قررت الاعتصام الكامل أمام أماكن حيوية بدءاً من الجمعة المقبل، وعدم مغادرة أماكن الاعتصام حتى تنفيذ مطلب إقالة حكومة شفيق وتعيين حكومة انتقالية من المستقلين والمتخصصين تدير البلاد خلال الفترة الانتقالية. وعبرت اللجنة التي تضم «مجلس أمناء الثورة» إلى جانب خمسة تحالفات شبابية، عن أملها في أن تتم الاستجابة لهذين المطلبين قبل الجمعة المقبل، وقبل بدء الاعتصام «احتراماً للشرعية الثورية، واستجابة لإرادة الشعب». من جهته، كرر المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي دعوته إلى إقالة حكومة شفيق، كما طالب بمرحلة انتقالية تصل إلى سنتين، «لوضع دستور دائم تتوافق عليه القوى الوطنية من خلال لجنة تأسيسية»، معتبراً أن تحديد الفترة الانتقالية بستة أشهر غير كافية، «لأنها ستعطى أفضلية للجماعات المنظمة فقط متمثلة في الإخوان والحزب الوطني، ما لا يحقق الديموقراطية المنشودة». غير أن نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل اعتبر أن الدعوة إلى إقالة الحكومة «في غير محلها»، مشيراً إلى أنه «إذا كان يؤخذ على الحكومة أنها تشكلت بقرار من الرئيس السابق وحلفت اليمين أمامه، وذلك لأن مبارك كان وقتها صاحب الشرعية، لكن في هذه الأيام القوات المسلحة هي صاحبة الرأي». وقال: «لم أر في حياتي رئيس وزراء يخرج على الشعب ويعتذر»، مطالباً ب «التريث ومراقبة أداء الحكومة حتى لا تتخذ قرارات متسرعة». ورأى أن «شفيق من أكفأ الشخصيات التي عرفتها مصر ومحل تقدير شديد لدى الناس جميعاً». وجاءت تصريحات الجمل فيما كان نحو ألف معتصم يحتشدون في ميدان التحرير للمطالبة بإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط وحل جهاز مباحث أمن الدولة والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومحاكمة رموز الفساد. وردد المحتجون هتافات بينها: «الثورة مستمرة حتى تحقيق المطالب»، و «يا حرية فينك فينك أمن الدولة بينا وبينك». وتواصلت أمس التعليقات على التعديلات الدستورية المقترحة، إذ دعا حزب «التجمع» اليساري مجدداً إلى «انتخاب هيئة تأسيسية لوضع دستور لجمهورية برلمانية ديموقراطية مدنية قبل انتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان، تأييداً لما طالب به الائتلاف الوطني للتغيير» الذي يضم «التجمع» وأحزاباً وقوى سياسية أخرى و «ائتلاف شباب ثورة 25 يناير»، خصوصاً أن «الدستور الحالي سقط عملياً بتولي القوات المسلحة السلطة». واعتبر أن «ما يزيد الأمر خطورة هو لجوء المجلس العسكري إلى تكليف اللجنة بالتعديل ثم إقرار التعديل من جانبه وطرحه للاستفتاء خلال أسبوع، مصادراً بذلك حق المواطنين والأحزاب والقوى السياسية والشبابية في مناقشة هذه التعديلات الدستورية، إضافة إلى أن أسلوب الاستفتاء على التعديلات جملة محل نقد من فقهاء الدستور والقانون». وأشار إلى أن «اللجنة لم تتطرق إلى القوانين المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية وانتخابات مجلسي الشعب والشورى والقوانين الأخرى المرتبطة بالحريات العامة التي ساعدت على تزوير إرادة الناخبين في كل الانتخابات التي أجريت في مصر منذ بدء التعددية الحزبية المقيدة عام 1976». ورأى أن «التعديلات الدستورية تجاهلت تحقيق التوازن الضروري بين السلطات وتقليص السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الجمهورية والنص على عدم ممارسة رئيس الجمهورية أي نشاط حزبي طوال فترة رئاسته. وانتخاب لرئيس المقبل مع استمرار هذه السلطات سيحوله إلى حاكم مستبد».