يبدو أن الأيام المقبلة ستشهد تطوراً في شكل العلاقة بين المتظاهرين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم مصر، بعد تدخل الجيش للمرة الأولى لفض اعتصام بالقوة قرب مقر الحكومة مساء أول من أمس. وعلى رغم اعتذار المجلس عما اعتبره «احتكاكات غير مقصودة»، فإن المعارضة لوحت بالعودة إلى الاعتصام في ميدان التحرير مجدداً، إذا لم يستجب الجيش لكل مطالبهم، وفي مقدمها إقالة حكومة الفريق أحمد شفيق. وجاء هذا التطور في وقت أزيح الستار عن التعديلات المرتقبة على الدستور، وأبرزها تقليص مدة الرئاسة إلى أربع سنوات قابلة للتمديد لولاية واحدة فقط، وتخفيف القيود المفروضة على ترشيح المستقلين للرئاسة، وإخضاع الانتخابات التشريعية والرئاسية للإشراف القضائي الكامل، إضافة إلى إلزام أي رئيس بتعيين نائب له خلال شهرين من توليه الحكم. لكن معارضين أبدوا تحفظهم على تلك التعديلات التي اعتبروها «غير كافية». وأصدر الجيش أمس ثلاثة بيانات متتالية، عكست محاولة من المجلس العسكري لتهدئة غضب المتظاهرين، واستعادة العلاقة الطيبة التي كانت تجمع الطرفين، والتذكير لأن الجيش وقف في صف مطالب الثوار منذ البداية. وفي بيان بعنوان «اعتذار، رصيدنا لديكم يسمح»، أكد المجلس «لشباب ثورة 25 يناير حرصه على تحقيق الأهداف النبيلة للثورة، وأن ما حدث الجمعة خلال تظاهرات جمعة التطهير، كان نتيجة احتكاكات غير مقصودة بين الشرطة العسكرية وأبناء الثورة. وأنه لم ولن تصدر أوامر بالتعدي على أبناء هذا الشعب العظيم، وأنه سيتم اتخاذ كل الاحتياطات التي من شأنها أن تراعي عدم تكرار ذلك مستقبلاً». ونقلت وكالة «رويترز» عن محتجين أن جنوداً وأفراداً من الشرطة العسكرية تحركوا ضدهم بعد منتصف الليل وأطلقوا النيران في الهواء واستخدموا هراوات لتفرقة بقية المتظاهرين الذين كانوا يحضون المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تنفيذ إصلاحات أكبر، بما في ذلك تعديل كامل للحكومة. وقال أشرف عمر، وهو أحد المحتجين، إن الجنود استخدموا العصي الكهربائية والهراوات ضد المحتجين، مضيفاً: «اعتقدت أن الأوضاع ستتغير. كنت أريد أن أعطي الحكومة فرصة، لكن ليس هناك أمل بهذا النظام». وذكر شهود أنهم رأوا عدداً من المحتجين يسقطون على الأرض، لكن لم يتضح ما إذا كانوا أصيبوا ومدى خطورة الإصابة. وسمع محتجون يصرخون أثناء مطاردتهم في الشوارع الجانبية المحيطة بميدان التحرير. وبحلول الفجر تحدث محتجون باقون في الميدان مع السيارات المارة ورفعوا لافتات تشير إلى أن الجيش هاجم المحتجين. ورفع عدد من الناشطين لافتات كتب عليها: «الجيش خان الشعب». واعترض سائق سيارة أجرة على أحد المحتجين قائلاً إن «الناس لا تجد قوتها»، وهو ما يعكس مشاعر مصريين يعتقدون أن استمرار الاحتجاجات يعطل عودة الحياة إلى طبيعتها. وجاء اعتذار الجيش بعد لحظات من دعوات راجت على موقع «فايسبوك» لتظاهرة مليونية في ميدان التحرير تبدأ صباح الجمعة المقبل على أن تتحول إلى اعتصام مفتوح في الميدان مجدداً حتى إسقاط الحكومة. وتلا ذلك بيان آخر أعلن فيه الجيش إطلاق سراح جميع المحتجزين خلال أحداث الجمعة، وبيان ثالث حذر فيه من محاولات «عناصر مدسوسة لإفساد الثورة وإثنائها عن أهدافها وإحداث الوقيعة بينها وبين القوات المسلحة». وشدد البيان على أن «تعامل القوات المسلحة مع الثورة منذ بدايتها قائم على ثوابت عدة، وهي أن القوات المسلحة أعلنت موقفها بوضوح منذ بدء الثورة وأنها انحازت إلى جانبكم، ولم ولن تتعامل بأي صورة من صور العنف مع أبناء الشعب العظيم. وأن القوات المسلحة تقوم بحمايتكم وحماية هذا الوطن العزيز وتوفير الأمن والأمان الذي يتيح لكم التعبير عن مطالبكم المشروعة». وأشار إلى أن «هناك تخوفاً من قيام عناصر مدسوسة تحاول إفساد الثورة وإثنائها عن أهدافها وإحداث الوقيعة بينها وبين القوات المسلحة ممثلاً في قيام هذه العناصر والتعدي على أفراد القوات المسلحة بالحجارة والزجاجات. ونحن على يقين أن هذا ليس سلوك شباب الثورة الذي يتمتع بالوعي والوطنية. وهو على دراية تامة بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق القوات المسلحة التي أيدت مطالبهم المشروعة منذ اللحظة الأولى»، داعياً الشباب إلى «العمل سوياً على إفشال مخططات المندسين على الثورة». لكن المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي رفض اعتذار الجيش، وأكد أنه «لا يمكن أن يقال إن ما حدث خطأ غير مقصود»، معتبراً تطويق الجيش للمتظاهرين بالقوة «استمراراً لمصر القديمة». وقال في صفحته على موقع «تويتر» إن «الفكر السلطوي ما زال قائماً، وحرية الإعلام ما زالت وهماً»، وطالب برحيل رئيس الوزراء. من جهتها، قالت «حركة شباب 6 أبريل» في بيان أمس إن «المجلس العسكري يثبت كل يوم أن الطريق نحو التغيير والحرية لا يزال طويلاً، وأن رحيل (الرئيس السابق حسني) مبارك كان الخطوة الأولى فحسب، وان بقايا نظام سيحاولون الالتفاف حول الثورة ومطالبها». ورأت أن «هذا الموضوع ظهر واضحاً منذ يوم الثلثاء، مع دعوة شباب 6 أبريل إلى التظاهر في ميدان التحرير للمطالبة برحيل حكومة شفيق، من منع كاميرات الفضائيات المختلفة من التصوير والاستيلاء على كاميرات الصحافيين والإعلاميين، ومحاولة فض التظاهرة في بدايتها»، مؤكدة أن «حكومة شفيق بدأت تستخدم الأدوات نفسها التي كان يستخدمها النظام السابق». وجددت مطالبها ب «تشكيل مجلس رئاسي يضم قضاة شرفاء إلى جوار بعض القادة العسكريين لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة المقبلة، وتشكيل حكومة وطنية لا تضم أحداً من بقايا النظام السابق، كي نثق في أن التحول والتغيير الديموقراطي الحقيقي يسير في طريقه الصحيح، وألا يكون هناك أي نوع من أنواع الالتفاف على الثورة من قبل بقايا نظام مبارك». في غضون ذلك، أعلن أمس المجلس العسكري الاتفاق على إجراء تعديلات في الدستور، وأنه تم الاتفاق على تعديل ثماني مواد. وستعدل المادة 77 لتقتصر مدة الرئاسة على أربع سنوات بدل ست، يجوز تمديدها لفترة أخرى فقط، كما تم تخفيف القيود على المرشحين للرئاسة من المستقلين في المادة 76، فبات الترشيح عبر ثلاثة مسارات، أولها الحصول على تأييد 30 نائباً على الأقل، والثاني الحصول على تأييد 30 ألف مواطن ممن يحق لهم الانتخاب في 15 محافظة، بما لا يقل عن ألف مواطن في كل محافظة، أما الثالث فهو أنه يمكن لأحد الأحزاب القائمة ترشيح أحد أعضائها للرئاسة، طالما كان للحزب عضو منتخب في أحد مجلسي البرلمان. وعدلت اللجنة المادة 88 من الدستور لتضمن إشرافاً قضائياً كاملاً على العملية الانتخابية، بحيث يشرف القضاة منذ بداية مراجعة الجداول الانتخابية وصولاً إلى إعلان النتائج. وأضيف إلى المادة 75 التي تشترط أن يكون المرشح للرئاسة مصرياً من أبوين مصريين، شروطاً أخرى هي ألا يكون هو أو أحد والديه حاصلاً على جنسية أجنبية، وألا يكون متزوجاً من أجنبية، وألا يقل عمره عن 40 سنة. وعدلت اللجنة أيضاً المادة 93 التي تتعلق بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب (البرلمان)، لتنقل صلاحية الفصل من المجلس إلى المحكمة الدستورية العليا التي تختص بالنظر في الطعون في صحة عضوية النواب. أما المادة 139، فألزم تعديلها الرئيس بتعيين نائب له خلال 60 يوماً على الأكثر من تاريخ مباشرة عمله، وإذا خلا منصب النائب، يقوم بتعيين نائب آخر على الفور، ويشترط به ما يشترط في منصب الرئيس. أما المادة 148 الخاصة بفرض حال الطوارئ، فاشترط التعديل أن يكون إعلان الطوارئ بعرضها على مجلس الشعب خلال سبعة أيام فقط، ويدعى المجلس فوراً إلى الانعقاد إن لم يكن موجوداً، وألا تزيد مدة الطوارئ على ستة أشهر، يتم بعدها استفتاء شعبي إذا اقتضت الحاجة مدها، كما تم إلغاء المادة 179 الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. وجاءت التعديلات على المادة 189 الخاصة بآلية تعديل الدستور، لتضاف إليها فقرة جديدة تتعلق بطريقة تعديل الدستور وتغييره يستبدل بها دستور آخر، إذ ألزمت اللجنة البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى) انتخاب لجنة تأسيسية تضم مئة عضو لإعداد دستور جديد للبلاد خلال ستة أشهر من انتخاب المجلسين، وتكون مدة الاستفتاء عليه ستة أشهر أيضاً. وأكدت تلك المادة أن الدستور الحالي هو «حالة زمنية وقتية». من جهته، أكد رئيس «حزب الكرامة» (تحت التأسيس) حمدين صباحي ل «الحياة» أن «تلك التعديلات تستجيب لمطالب الشعب في المرحلة الانتقالية الراهنة، لكنها ليست بديلاً من دستور جديد للبلاد». ورأى صباحي الذي أعلن أن سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، أن الشروط التي أقرتها اللجنة في المرشحين لرئاسة الجمهورية «مخففة جداً»، لكنه في الوقت ذاته أبدى تحفظه على صياغة المادة 88 الخاصة بالإشراف القضائي، إذ شدد على «ضرورة أن تتضمن نصاً صريحاً على مسألة قاض لكل صندوق، حتى نضمن الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية». لكن زعيم حزب «الغد» أيمن نور اعترض على طريقة إجراء التعديلات الدستورية، معتبراً أنه «كان من الضروري أن تطرح الأفكار على الحوار المجتمعي قبل بلورة رؤية للتعديلات وليس العكس»، كما انتقد النص على أن رئيس الجمهورية يملك الحق في تعيين نائبه، موضحاً أن «حق اختيار نائب الرئيس هو حق أصيل للشعب». وأكد ل «الحياة» أن «التعديلات محدودة جداً، ولا تحقق الإصلاح الدستوري الشامل الذي نطالب به»، مشيراً إلى أن «بقاء صلاحيات رئيس الجمهورية مؤشر خطير جداً، حتى وإن كان تم تقليصها، لكن هناك أكثر من 30 صلاحية إلهية يتمتع بها رئيس الجمهورية في ظل الدستور الحالي». وأكد عضو اللجنة التي صاغت التعديلات المحامي صبحي صالح ل «الحياة» أن تلك التعديلات «نهائية بعد إقرارها من قبل المجلس العسكري»، مشيراً إلى أنه «ستتم الدعوة إلى الاستفتاء الشعبي العام على التعديلات خلال أيام». ولفت إلى أن «التعديلات وضعت حجر الأساس نحو جمهورية برلمانية وليست رئاسية، على أن يستكمل باقي التعديلات الرئيس المقبل الذي ألزمته التعديلات بوضع دستور جديد للبلاد خلال ستة أشهر من توليه المسؤولية». ورأى أنه «في حال نص الدستور على أن منصب نائب الرئيس يتم بالانتخاب سيرسخ ذلك الجمهورية الرئاسية، وهو ما ترفضه القوى السياسية». وأشار إلى أن «اللجنة تعكف الآن على إجراء تعديلات في قوانين مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات الرئاسية ومجلسي الشعب والشوري حتى تكون متناسقة مع التعديلات الدستورية». وكشف أن «اللجنة ستعدل في طريقة الاقتراع لتصبح ببطاقة الرقم القومي، كما أن نظام الانتخابات سيظل كما هو على النظام الفردي، ولن يتم تغيره إلى نظام القوائم كما تطالب المعارضة». وتمكن أمس رئيس الحكومة أحمد شفيق من دخول مكتبه في مقر مجلس الوزراء في وسط القاهرة، والتقى بعدد من كبار المسؤولين الحكوميين، وسط تعزيزات من أفراد الشرطة العسكرية ومدرعات القوات المسلحة. ومن المقرر أن يلتقي اليوم المجلس العسكري عدداً من الناشطين الشباب «لمناقشة رؤيتهم للمستقبل». وأصدرت أمس المحاكم العسكرية العليا أحكاماً قضائية متفاوتة تراوحت بين السجن المشدد 7 سنوات والحبس لمدة عام واحد مع الشغل والنفاذ بحق 29 متهماً في 6 قضايا تتعلق ب «البلطجة والإرهاب وترويع المواطنين، وخرق حظر التجول والقيام بأعمال إضرام للنيران وإتلاف منشآت حكومية وسيارات المواطنين وسرقة أسلحة أجهزة الشرطة والشروع في سرقة بعض البنوك وأجهزة الصراف الآلي والتعدي على مأموري الضبط القضائي في القوات المسلحة».