إذا كان زوج والدة مبروكة الدوسري، السبب في حرمانها من الالتحاق بالمدرسة، فإن ابنتها كانت السبب في جلوسها على مقعد الأمية في مدرسة غرب الدمام، وهي في عقدها السادس. والهدف الذي تعلنه مبروكة هو «معرفة ما يحدث حولي»، فهي تشعر ب «الحيرة الدائمة»، وكثيرة الأسئلة حول ما يحدث حولها، ما يسبب لها مواقف «مُحرجة ومُبكية». لكن مبروكة قررت تجاوز هذه المشاعر، وأصرت على أن تتعلم، من خلال الالتحاق ببرنامج «تعليم الكبيرات» في المنطقة الشرقية. وتعود إلى سبب حرمانها من التعليم قبل 45 عاماً، «زوج أمي كان يرفض تعليم الإناث، ولم يكن وحيداً في هذا الرفض، إذ كان الذهاب إلى المدرسة يكاد يكون حصراً على أبناء العائلات متوسطة أو كثيرة المال، الذين كانوا يستشعرون أهمية التعليم، فيما كان البعض يراه عيباً، إذ كان الهمس واللمز يطارد من يرسل ابنته إلى المدرسة، خصوصاً في القرى، التي عشت فيها معظم سنوات حياتي». وعلى رغم أميتها إلا أنها تؤكد حبها للقراءة، «إلا أنني لم أتمكن من ذلك، لأنني أمية، وكنت أشعر بالحرج الدائم عندما أطلب من أبنائي قراءة أوراقي الشخصية، وعندما لا أجد أحداً منهم حولي، أبقى انتظر قدومهم لمساعدتي، حتى باتت المسألة مريرة»، مضيفة «في إحدى المرات، وجهت لابنتي أسئلة عدة، وكانت في حال غضب داخلي، لم تترجمه بداية، وعندما كثرت الأسئلة، خرجت عن هدوئها، وقالت لي: لا تكثري الأسئلة عما هو مكتوب، اذهبي وتعلمي». وفي تلك اللحظة قررت مبروكة، أن تدرس، لا بل أن تنال شهادة المرحلة الثانوية. حتى وصلت إلى مرحلة تتمكن من خلالها قراءة وكتابة كل ما تريده. وتؤكد مبروكة وهي «على مشارف نهاية العمر»، أن «العلم لا يرتبط بالسن، وإنما بالقدرة والمعرفة»، مضيفة: «القراءة والكتابة تشعران الإنسان أنه في ريعان شبابه، وأنه لا يزال مواكباً لما يجري حوله». وإذا كانت مبروكة تحلم بالحصول على شهادة الثانوية، فإن زميلتها منيفة إبراهيم، تخطط للحصول على شهاداتي الماجستير والدكتوراه، بعد أن تحصل على البكالوريوس، فيما هي لا تزال في الثانوية. ولم تجد عوائق تقف في طريقها، وهي ترى أن «العلم عبادة». وتستعيد شريط ذكرياتها، وهي تجلس على مقعدها محو الأمية، فيما تستخرج حبة دواء من حقيبتها. وتقول: «الشعر أبيض، والعمر له حقه، والكبر كبرياء، والمرض يلازمني، إلا أن ذلك لا يعني عدم التعلم»، وهي تعتقد أن حرمانها من التعليم منذ أن كانت طفلة تلهو وتلعب في سهول نجران، يعود إلى «فرضيات لا تزال تلازم البعض»، مستدركة أن «انتقالنا إلى المدن الأكثر نماءً وتطوراً، جعلني أشعر أن التعليم ضروري، وفرض علي متطلبات الحياة العصرية». وتقر أن أبناءها أجبروها على الالتحاق ببرامج الأمية وتعليم الكبيرات، مضيفة «أدرس مع أحفادي، وكثيراً ما يساعدوني في حل الواجبات المدرسية، أشعر وكأنني طفلة بينهم، فالطفل بطبيعته ودود، ويتحمل كثرة الأسئلة، بخلاف الكبار الذين يملون ويعتبرون كثرة الأسئلة مُرهقاً ومُحرجاً، لذا ألجأ إلى أحفادي، فهم أكثر تحملاً وتفهماً لي». وشهد العام الجاري، تراجع نسبة الأمية، ووصولها إلى 15 في المئة، بعد أن كانت 17.8 في المئة، وذلك بعد تطبيق مشروع «مجتمع بلا أمية» في المنطقة الشرقية. وترى المشرفة على مدارس تعليم الكبيرات نجوى الفايز، في ذلك «مؤشراً إيجابياً وإنجازاً مجتمعياً». وتقول في تصريح ل «الحياة»: «إن التحاق عدد من الأميات بمدارس تعليم الكبيرات، يدل على النمو والارتقاء الذي يشهده المجتمع»، معتبرة القضاء على الأمية، «قطعاً لطريق الفقر والبطالة والمشكلات الاجتماعية. ووجودها يعرقل عملية التنمية».