هدَّد الزعيم الليبي معمر القذافي أمس ب «زحف مقدس» لسحق المحتجين المطالبين بإنهاء حكمه، داعياً أنصاره إلى النزول بالملايين «لتطهير ليبيا شبراً شبراً». وقال في كلمة ألقاها من أمام منزله في باب العزيزية في طرابلس الذي تعرَّض لقصف أميركي في الثمانينات: «سنعلن الزحف المقدس، وسنوجه نداء إلى الملايين من الصحراء إلى الصحراء، وسنزحف عليهم بالملايين لتطهير ليبيا بيتاً بيتاً وشبراً شبراً وداراً داراً وزنقة زنقة». وطالب المتمردين ب «تسليم الأسلحة وإطلاق سراح الأسرى والقبض على المشاغبين وإعادة الحياة الطبيعية في الموانئ والمطارات. وما لم يتحقق ذلك سنعلن الزحف المقدس... الليلة زحف من داخل المدن لإنقاذ أطفالنا». وأعلن أنه أعطى أوامره إلى «الضباط الأحرار للقضاء على الجرذان»، في إشارة إلى المتمردين الذين سيطروا على عدد من المدن الليبية، مؤكداً أنه لن يتنحى وسيقاتل حتى «آخر قطرة دم». وقال مخاطباً الليبيين، وبدا شديد العصبية: «اخرجوا من بيوتكم إلى الشوارع غداً، أنتم يا من تحبون معمر القذافي، معمر المجد والعزة، واقضوا على الجرذان». وأضاف: «لم نستخدم القوة بعد، وإذا تطورت الأمور سنستخدمها وفق القانون الدولي والدستور الليبي». وتلا مواد من الدستور والقانون الليبيين تعاقب بالإعدام من يقوم بأعمال مخلّة بالأمن. ودعا إلى تشكيل «لجان الأمن الشعبي في المدن لحفظ الأمن». واعتبر أنها ستكون «لجان الدفاع عن الثورة وعن كل مكتسبات الثورة في كل المدن الليبية». وخاطب أنصاره: «انتم ملايين، أمسكوهم في الشوارع وأعيدوا السلطة الشعبية وأعيدوا الأمن». وهدد بردٍّ شبيه بقصف الجيش الروسي للبرلمان في موسكو أثناء وجود النواب فيه خلال الفترة الانتقالية بين تفكك الاتحاد السوفياتي ونشوء دولة روسيا في مطلع التسعينات، وبسحق الصين لحركة تيان آن مين في بكين في أواخر الثمانينات، والقصف الأميركي للفلوجة في العراق. وقال إن «رئيس روسيا أحضر الدبابات ودك مبنى مجلس النواب والاعضاء كانوا موجودين بداخله، حتى طلعوا مثل الجرذان، والغرب لم يعترض، بل قال له أنت تعمل عملاً قانونياً... الطلاب في بكين اعتصموا لأيام قرب لافتة كوكا كولا... ثم أتت الدبابات وسحقتهم... أميركا مسحت الفلوجة بالطيران مسحاً بذريعة مقاومة الإرهاب، ولا يمكنها الاحتجاج على ما يجري لدينا، لأنهم فعلوا ذلك في الفلوجة» في العراق. ورفض رفضاً قاطعاً احتمال تنحِّيه. وقال: «لو كنت رئيساً لكنت قدمت استقالتي، لكن عندي بندقيتي وسأقاتل حتى آخر قطرة من دمي». وأكد انه لن يغادر ليبيا تحت ضغط الشارع كما فعل رؤساء آخرون، في إشارة إلى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، مشدداً على أنه سيموت «شهيداً في أرض أجدادي». ودعا «الشعب الليبي إلى تشكيل شعبيات وبلديات جديدة» في جميع المدن والبلدات الليبية. وقال ان «الشعبيات الجديدة ستشكل بلديات للإدارة المحلية أتوقع ان يكون عددها من 50 الى 150 بلدية». وأضاف: «أنا ليست لدي أي سلطة اليوم والسلطة تركناها للشعب منذ العام 1977»، في إشارة الى تشكيل اللجان الشعبية. وكال النعوت للمحتجين، واصفاً إياهم ب «الجرذان» و «شُذَّاذ الآفاق» و «مدمني مخدرات». واتهم «أجهزة عربية شقيقة» بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها بلاده. وقال إن «أجهزة عربية للأسف شقيقة تغركم وتخونكم وتقدم صورتكم بشكل مسيء... هذه أجهزة الخيانة والعمالة والرجعية والجبن». وأضاف أنه «لا يمكن لعاقل أن يسمح بأن تتمزق بلاده وأن تصبح في قبضة مجانين». وختم كلمته قائلاً: «دقت ساعة الزحف والعمل والانتصار، ولا رجوع، إلى الأمام، إلى الأمام، إلى الأمام، ثورة، ثورة، ثورة» وغادر المكان بعدما ضرب بقبضته على الطاولة التي كانت أمامه. وفور مغادرته المكان تقدم منه عدد من أنصاره وقبّلوا يده. وكانت وزارة الدفاع الليبية استبَقَت خطاب القذافي باتهام «عصابات من شبان مجرمين تحركهم قوى أجنبية، منها تنظيم القاعدة» بالوقوف وراء الاحتجاجات التي خلفت مئات القتلى بيد قوات الأمن. ورأت في بيان أن «ما يجري لا يعدو كونه مجموعة من الشباب الصغار تم استغلالهم من أناس آخرين يتبعون دوائر خارجية وأغلبهم يتبعون القاعدة ودوائر أخرى مشبوهة، يسخِّرونهم لمآرب خاصة». وكان رئيس التشريفات المستقيل نوري المسماري، الذي زامل القذافي نحو 40 عاماً وغادر ليبيا نهاية العام الماضي إلى فرنسا للعلاج، قال إن القذافي «سيستمر في المعركة لكن ليس هناك من هو أقوى من الشعب». وأضاف أنه سمع أن القذافي يحاول الدخول في حوار مع زعماء القبائل لتهدئة الموقف، لكنه يعتقد أن مثل هذه المبادرة «تأخرت كثيراً» بعد إراقة الدماء. ورأى أن «الشعب سيخوض النضال حتى النهاية، وسينتصر». ونقلت وكالة «رويترز» أمس صورة للوضع على الأرض في مدن شرق ليبيا التي دخلها أحد مراسليها عبر الحدود مع مصر. وأشارت إلى أن متمردين مناهضين للقذافي يسيطرون على الحدود، وهم مسلحون بالهراوات وبنادق الكلاشنيكوف، ويرحبون بالزوار من مصر. وقال عند مروره ببلدة المسعد التي تقع داخل الجانب الليبي من الحدود، إن أحد الاشخاص أمسك بصورة مقلوبة للزعيم الليبي معمر القذافي مكتوب عليها «الطاغية الجزار قاتل الليبيين». ونقلت عن شهود تأكيدات أن القذافي استخدم دبابات ومروحيات وطائرات حربية في القتال ضد التمرد المتنامي. وقال ليبي لم يتسن تحديد هويته، إن بنغازي تم «تحريرها» من كتيبة تتبع ابناء القذافي منذ السبت. وأثناء القيادة على امتداد طريق صحراوي بالسيارة، يشاهَد من وقت لآخر منزل منخفض وقطعان ماعز ومجموعات من المتمردين الذين يحملون بنادق آلية وبنادق تعمل بضغط الهواء يلوحون بسعادة للسيارات المارة. ووصف ليبي من البيضاء كيف قتلت القوات التي استخدمت الطائرات والدبابات 26 شخصاً من السكان المحليين في الليلة قبل الماضية، بينهم شقيقه. وقال مرعي المهري الذي ينتمي إلى قبيلة الأشراف، الذي ذكر ان اسم شقيقه المتوفى هو أحمد المهري، إن الليبيين يشعرون الآن «بالخوف من خيَالهم». وقال وهو ينتحب طالباً المساعدة إن «هذا أسوأ مما يتخيله أي انسان، هذا شيء لا يمكن لأي انسان فهمه». واتهم القوات الموالية للقذافي بالقتل من دون تمييز في شوارع المدينة الساحلية التي تقع إلى الشرق من بنغازي. وقال إنهم يقتلون أي شخص لمجرد أنه يمشي في الشارع. ورأى أن الشيء الوحيد الذي يمكنهم عمله الآن هو «عدم الاستسلام وعدم التراجع... هذه إبادة جماعية». وقال إنه يدعو شعوب العالم، خصوصاً المصريين، إلى أن يصلّوا من أجلهم وان يتظاهروا من أجلهم. وقال شاهد فرَّ من مدينة بنغازي، إن 2000 شخص على الاقل قتلوا هناك، وهو رقم لم يتسنَّ التأكد منه، لكنه يشير إلى حجم الدمار الذي يعتقد الناس انه نجم عن اسبوع من اعمال العنف. وقال حسن كامل محمد، وهو عامل صلب عمره 24 عاماً فر من طبرق، إن هناك لصوصاً في كل مكان يوجهون البنادق إلى أي شخص في أي وقت. وروى طالب ليبي شاهد أصدقاءه يُقتلون في الاحتجاجات ضد القذافي في مدينة البيضاء، أن مرتزقة من أفريقيا قتلوا العشرات بناء على أوامر الزعيم الليبي. وقال إن مرتزقة من تشاد وتونس والمغرب فتحوا النار على محتجين. وأضاف: «قتل المرتزقة نحو 40 رجلاً من مدينة شحات المجاورة للبيضاء. عدد الوفيات في البيضاء وشحات في يومين بلغ 150». وأكد أن المرتزقة كانوا يختبئون في معسكرات الجيش. وأضاف: «كان الجيش يدفعنا في اتجاههم لكنه لا يطلق النار علينا. وتحدث أحد وجهاء البلدة عبر مكبر للصوت ليذكِّر الجيش أننا من دم واحد، وبدأ كثير من الجنود مغادرة المعسكر، لكن المرتزقة اشتبكوا مع العسكريين الذين كانوا يحاولون المغادرة... أسرنا بعض المرتزقة وقالوا إنهم تلقوا أوامر من القذافي للقضاء على المحتجين... ما لدينا من طعام وأدوية ينفد، بالإضافة الى الذخيرة، ما لا يمكِّننا من قتال المرتزقة ويضعنا في خطر داهم. أدعو كل الليبيين في المدن الغربية إلى مساعدتنا بأسرع ما يمكن».