أكد المدير القطري لليمن ومصر وجيبوتي في البنك الدولي أسعد عالم، أن البنك يعمل على تعزيز إستراتيجية للتعافي وإعادة الإعمار في اليمن، يمكن أن تساعد على خلق سياق جديد للأمل والازدهار، مؤكداً أن إجمالي كلفة التعافي وإعادة الإعمار ستكون كبيرة جداً. وأوضح في مقابلة مع «الحياة»، أن «الوضع الاقتصادي في اليمن سيّء جداً، إذ أثّرت الحرب المندلعة منذ نحو 30 شهراً، في الاقتصاد الذي كان هشّاً أصلاً، وتسبّبت في خسائر فادحة، لا سيّما لفئات المجتمع الأشد ضعفاً والأولى بالرعاية، وما يحتاجه اليمن الآن إنهاء الصراع والعودة إلى السلام». وأضاف: «بالنسبة إلى مجموعة البنك الدولي، فمن الضروري، حتى أثناء الصراع، حماية الأصول الإنمائية في البلد للاستفادة منها في عملية التعافي وإعادة الإعمار في المستقبل، وهذا يعني حماية رأس المال البشري، خصوصاً من خلال الاستثمار في صحة الأطفال، ومساندة المؤسسات المحلية على تقديم الخدمات، مثل الخدمات الصحية المحلية ومساندة الصندوق الاجتماعي للتنمية. وإضافة إلى ذلك، وحتى في ظل الأزمة الإنسانية الحالية، من الضروري الاستثمار في الأصول الإنمائية للبلد لمساندة الإجراءات التدخّلية الإنسانية، وعلينا أن نسرّع هذه العملية». ورداً على سؤال عن منحتين إضافيتين من المؤسسة الدولية للتنمية قيمتهما 283 مليون دولار لتوسيع مظلّة مشروعين طارئين قائمين، ومشروع آخر قيمته 36 مليون دولار لدعم قطاع الزراعة، قال عالم: «تبلغ محفظة مشاريع البنك الدولي الحالية في اليمن قيد التنفيذ 819 مليون دولار، على شكل منح، ولقد تعاملنا مع الظروف المتغيّرة عبر إعادة توجيه مواردنا بما يتناسب مع الحاجات الآنية. ولهذه الغاية، وسّعنا نطاق استجابتنا لانعدام الأمن الغذائي في أنحاء اليمن، وستقدّم المنحة الجديدة من المؤسسة الدولية للتنمية، التمويل الإضافي الثاني للمشروع الطارئ للاستجابة للأزمات، تحويلات نقدية موجّهة إلى 1.5 مليون أسرة فقيرة، أي حوالى 8 ملايين شخص، لضمان حصولهم على الوسائل اللازمة لشراء المواد الغذائية». وأضاف: «من شأن المنحة الثانية أيضاً، المقدّمة من المؤسسة الدولية للتنمية، وهي التمويل الإضافي للمشروع الطارئ للرعاية الصحية والتغذية، أن توفّر أيضاً مكمّلات غذائية لمليون شخص من الفئات الأكثر ضعفاً والأولى بالرعاية». وقال عالم: «سنواصل تمويل الحاجات الإنمائية الطارئة، وستشمل المنح الجديدة التي يجري الإعداد لها منحة قيمتها 200 مليون دولار لمكافحة تفشّي الكوليرا، واعتمادات إضافية لتحويلات نقدية طارئة تبلغ نحو 200 مليون دولار للحفاظ على استمرار مساندة الدخل للأسر الأشد فقراً لمدة سنة، كما نعدّ لبرامج أخرى للمساعدة في استعادة الخدمات العامة الرئيسة مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق، بالشراكة مع منظّمات تابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن مؤسسات وطنية يمنية. وننتظر بفارغ الصبر انتهاء الحرب وتحسّن الوضع الأمني لنتمكّن من استئناف عملياتنا المعتادة من مكتبنا في اليمن». ورداً على سؤال حول التفشّي غير المسبوق للكوليرا في اليمن منذ 27 نيسان (أبريل) الماضي، ما يضع النظام الصحي على شفا الانهيار، وسُبل إنقاذ القدرات الصحية القائمة لمواجهة التهديد غير المسبوق المتمثّل في الكوليرا وغيرها من الأمراض، قال: «تتطلّب مكافحة الكوليرا نهجاً متعدّد الجوانب، فالخدمات الصحية وحدها لا يمكن أن تحل المشكلة من دون معالجة المسائل المتعلّقة بالمياه والصرف الصحي». وأضاف: «إلى جانب الحاجة إلى مساندة طبية وإنسانية عاجلة للمتضرّرين من الكوليرا، يجب تحسين الخدمات الصحية لمعالجة قضايا الوقاية، ولا سيّما من خلال التطعيم من طريق الفم. وفي الوقت ذاته، لا بد من استعادة سلسلة الإمداد لخدمات المياه والصرف الصحي بأكملها وإصلاحها من أجل توفير المياه المأمونة والنظيفة والمنشآت الصحية للناس، إضافة إلى أهمية تعليم الناس تدابير السلامة والوقاية». وأوضح أن «البنك الدولي يساند هذا النهج الإنمائي المتكامل في حالات الطوارئ، ونسعى الآن إلى زيادة منحتنا الحالية للمساندة البالغة 50 مليون دولار من خلال منحة إضافية قيمتها 200 مليون دولار، وستتولّى اليونيسيف ومنظّمة الصحة العالمية تنفيذ ذلك بالتعاون مع المؤسّسات اليمنية المحلية». وأشار إلى أن «حجم التمويل الجديد يعكس ضخامة التحدّي والطابع الملحّ الذي نوليه للتصدّي لهذا الوباء، ومن شأنه أن يساعد الملايين من اليمنيين وأن يقضى على هذا المرض، الذي يمكن الوقاية منه، والذي تسبّب في الكثير من الوفيات وامتد تأثيره إلى أكثر من نصف مليون شخص خلال الأشهر الأخيرة». وفي حين تبلغ تقديرات الحكومة لتكاليف إعادة الإعمار أكثر من 100 بليون دولار، تبلغ التقديرات الأوّلية للبنك الدولي والأمم المتحدة و «البنك الإسلامي للتنمية» والاتحاد الأوروبي 15 بليون دولار. وعن ذلك قال عالم: «من الصعب إعطاء تقديرات دقيقة لكلفة إعادة الإعمار في ظل الصراع المستمر، فالأرقام تختلف بناءً على نطاق التغطية القطاعية لإعادة الإعمار وافتراضات التكاليف، فضلاً عن الفترة الزمنية التي يتم فيها تقدير التمويل. وعلينا أن ندرك أن نجاح أي جهد لإعادة الإعمار، يتطلب مساندة من برنامج للتعافي الاقتصادي والذي يجب أن يكفل النمو الشامل والوظائف وتكافؤ الفرص في البلد». وأضاف: «كلفة التعافي وإعادة الإعمار ستكون كبيرة جداً». وعن مسودة خطّة للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار التي وضعها البنك الدولي، وسُبل تمويلها، قال عالم: «أي خطّة للتعافي وإعادة الإعمار في اليمن يجب أن تغطي 5 عناصر رئيسة، هي معالجة الحاجات العاجلة الطارئة في البلد، مثل التصدّي لانعدام الأمن الغذائي ووباء الكوليرا، وتعزيز قدرات المؤسّسات الرئيسة اللازمة لتسيير شؤون الدولة مثل البنك المركزي ونظام الخزانة الوطني بحيث يمكن ضمان أداء الوظائف العامة الأساس مثل تحصيل الضرائب ودفع الرواتب وتوفير النقد الأجنبي اللازم لشراء الواردات الرئيسة والتنظيم الأساس للجهاز المصرفي، كما يجب أن تركّز على الأصول البشرية للبلد وأن تستثمر في التعافي وإعادة التأهيل ورفع مستوى نظم التعليم والصحة والحماية الاجتماعية. وهذا أمر بالغ الأهمية لأن تعزيز رأس المال البشري، بطريقة تعزّز تكافؤ الفرص للجميع، سيكون أمراً أساساً للتعافي وإعادة الإعمار في البلد في المستقبل، كما يجب أن تشمل الخطة إعادة بناء البنية التحتية الأساس المادية، بطريقة أكثر شمولاً أيضاً»، مشيراً إلى أن «أي برنامج للتعافي وإعادة الإعمار لن يكتمل من دون فرص عمل، لا سيّما للشباب والنساء». وأوضح أن «الاستثمارات في رأس المال البشري والمادي ستكون ذات فائدة كبيرة، وكذلك تهيئة بيئة مؤاتية للقطاع الخاص، في شكل يحفّز نمو مؤسّسات الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسّطة، ومشاريع ريادة الأعمال، وفرص العمل. وتدعو هذه الخطّة إلى تضافر جهود جميع أصحاب المصلحة اليمنيين من أجل مستقبل البلد بمساندة مالية من المجتمع الدولي، ولذلك فإن البنك الدولي يعمل على تعزيز إستراتيجية للتعافي وإعادة الإعمار يمكن أن تساعد على خلق سياق جديد للأمل والازدهار». وأشار إلى أن «شركاء التنمية في اليمن ساندوا هذا النهج في أيار (مايو) الماضي، بقيادة المملكة العربية السعودية ومجموعة البنك الدولي، ونحو 59 ممثّلاً من البلدان والمؤسّسات المتعدّدة الأطراف والثنائية». وكان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد تحدث عن جهود لإطلاق برنامج تسهيلات تجارية لتمويل الواردات، يديره البنك، من شأنه أن يوفّر للمستوردين التجاريين العملة الصعبة التي يحتاجون إليها لاستيراد الأغذية. وعن ذلك قال عالم: «تتمثّل إحدى المشاكل التي تساهم في انعدام الأمن الغذائي في اليمن في الصعوبات التي يواجهها مستوردو السلع الرئيسة في الحصول على النقد الأجنبي اللازم لشراء الواردات الغذائية الأساس. وللتخفيف من حدّة هذا الوضع، تقوم مؤسّسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي المعنية بالتعامل مع القطاع الخاص، بتطوير برنامج تسهيلات لتمويل التجارة من أجل توفير المواد الغذائية الأساس، مثل القمح والرز والحليب». وأضاف: «يشمل ذلك إنشاء صندوق متجدّد الموارد لتوفير ضمانات ائتمانية لعدد منتقى من المصارف الخاصة المحلية ومستوردي الأغذية، ومن شأن ذلك التخفيف من حدّة عدم توافر النقد الأجنبي لديهم ويمكّنهم من استيراد السلع الأساس، ونأمل بأن يتم ذلك في أيلول (سبتمبر) المقبل. وإذا لزم الأمر، يمكن أيضاً توسيع نطاق ذلك ليشمل سلعاً أساساً أخرى، مثل الأدوية والزيت والسكر».