المجموعة القصصية «سن الأسد» للكاتب الالماني بورشرت، ترجمها عن الألمانية وقدم لها سمير جريس وصدرت حديثاً عن المركز القومي للترجمة في القاهرة. يكتب المترجم في مقدمته معرفاً بالكتاب وصاحبه مركزاً على مقولة بورشرت «نحن جيل بلا وداع» وهي تلخص مأساة جيله الذي سيق إلى الحرب من دون أن يودعه أحد؛ جيل فقدَ الوطن وخاض الحروب ثم حُمل إلى القبر من دون أن يهتم بموته أحد ... بورشرت (1921 – 1947) هو، بلا شك، أكثر الأصوات تعبيراً عن هذا الجيل وعن تلك الحرب التي خلّفت دماراً مادياً وروحياً هائلاً في ألمانيا، كما خلّفت أيضاً خراباً لغوياً؛ فعلى امتداد الحقبة الهتلرية (1933 – 1945) صمت الأدباء الحقيقيون صمتاً تاماً، أو هاجروا من ألمانيا مثل توماس مان وبرتولت بريشت، ولم يعل في الساحة الأدبية آنذاك إلا صوت المهللين للنازية، والمنافقين لنظام هتلر. لذا كانت مهمة الأدب الجديد أن يخلص اللغة أولاً من تلك «الكلمات الكبيرة» الرنانة التي شاعت وعاثت في الأدب فساداً. بعد الهزيمة كان الألمان يتوقون إلى جيل جديد من الأدباء الذين لم تلوثهم النازية، أدباء يعبرون عن مشاعر الناس وأحلامهم، أدباء يمثلون «ضمير الأمة» التي كانت يوماً «بلاد الشعراء والمفكرين» وأضحت «بلاد القضاة والجلادين». التف الناس آنذاك من ناحية حول السلطة الدينية التي تمنح العفو والغفران، ومن ناحية أخرى حول الأدب الجديد الجريء المعبر عما تختلج به الصدور. معظم هذا الأدب كتبه جنود سابقون خدموا في جيش الطاغية، بدأوا تجاربهم الأدبية وسط هدير المدافع وأزيز الطائرات ودمار القصف الجوي. وفي تلك الأجواء – وتحديداً في عام 1947 - تأسست «جماعة 47» الأدبية التي كانت أحد أهم الأصوات الأدبية الجديدة في المنطقة الألمانية. ضمت الجماعة شباناً أضحوا في ما بعد نجوماً، مثل غونتر غراس وهاينريش بل وإنغبورج باخمان وهانس ماغنوس إنتسنسبرغر. وفي العام الذي تأسست فيه الجماعة الأدبية كان القاص الشاب فولفغانغ بورشرت يلفظ أنفاسه الأخيرة. «كان من الصعب للغاية»، يقول هاينريش بُل الذي خاض الحرب جندياً مثل بورشرت، «كتابة نصف صفحة من النثر في أعقاب عام 1945». وهذا تحديداً هو إنجاز فولفغانغ بورشرت. كتب بورشرت قصته الأولى «سن الأسد» في يوم واحد، هو الرابع والعشرون من كانون الثاني (يناير) عام 1946، في دفقة واحدة، من دون تصحيح أو شطب. في نوبة نشوة قصيرة ولدت قصته مكتملة. قبل ذلك اليوم كان بورشرت شاعراً يسعى إلى نشر قصائده من دون أن يحقق نجاحاً كبيراً. أما في «سن الأسد» فقد برهن على أنه قاص بامتياز، قاص حداثي سابق لعصره. ومن هنا ولدت «أسطورة بورشرت»، مثلما يقول زميله الشاعر بيتر رومكورف؛ ليس سبب تلك «الأسطورة» المرض والملاحقة السياسية والموت المبكر فحسب، بل هذا الاكتمال الفني والنضج منذ البداية». ترك بورشرت مجموعة من القصص القصيرة يصفها زميله هاينريش بُل، الحائز جائزة نوبل، بأنها «تحف فنية مكتملة». أما الأديب الكبير إبراهيم أصلان فيرى في قصصه «تعبيراً رفيعاً عن ضراوة الحروب جميعاًًً، من دون كلمة مباشرة واحدة».