في عالم من الصمت يعيشون. ينامون ويستيقظون على السكون المطبق. لا يتكلمون، هكذا قدر لهم. لكن ربما لو أعطوا فرصة الحديث مرة واحدة بعد صمت طويل، فإنهم «سيصرخون» بسبب الإهمال لحقوقهم وما يعانونه من إجحاف. لا يسمعون ولا يتكلمون... لكنهم يعقلون. أهملهم المجتمع، فازداد رهقهم رهقاً، وصعبت عليهم الحياة فوق صعوبتها. أينما يتجهوا يدركوا أن العقبات تلو العقبات ستقابلهم، وسيكابدون العناء ليستطيعوا تجاوزها، وسط جهد بسيط من بعض المجتهدين، الذين قرروا دخول عالم الصمت بسبب مواقف يروونها ل «الحياة». مهما قيل فلن يمكن التعبير عن تلك الحال التي يعيشونها على مدار حياتهم. لو كنت جاداً... تقمص دور أحدهم يوماً إذا استطعت. يؤكد المدير العام لجمعية الصم علي الهزاني أن الأصم هو إنسان طبيعي لا فرق بينه وبين الآخرين سوى في «اللغة»، لكنه يشير إلى أن «التعامل السلبي من الأسرة والمجتمع والتهميش والنظرة الدونية لفئة الصم هي ما قد يؤثر في ثقة أفرادها بأنفسهم، ويزيد من اعتمادهم على الآخرين لتلبية حاجاتهم». «لا يوجد فارق بين الإنسان العادي والأصم، باستثناء أن الأخير لا يستطيع أن يعبر عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه إلا بلغة الإشارة»، يقول الهزاني الذي اقتحم عالم الصم والبكم منذ 20 سنةً. ويؤكد الهزاني أن «الصم» لم يعطوا حقهم في التعليم العالي في الجامعات «باستثناء الجامعة العربية المفتوحة مشكورة التي بدأت بتخريج أول دفعة بكالوريوس على مستوى الوطن العربي». وأضاف: «أما الجامعات الأخرى فلم تفعل. لعل من أهم الأسباب أن اللجنة المكلفة في الجامعة لم تضم في عضويتها خبراء من الصم المثقفين والمميزين». ولم يجد الصم غير التأخير في توفير الخدمات لهم ومنحهم حقوقهم، بحسب مدير جمعيتهم، مع العلم أن مرسوماً ملكياً صدر عام 1422ه بدراسة الصم في التعليم العالي. ويشدد الهزاني على ضرورة تفريغ مترجمين مختصين لمساعدة الصم في التعامل مع من حولهم: «تأتيني اتصالات كثيرة يومياً تتجاوز 15 اتصالاً، سواء من جهة حكومية أم قضائية تحتاج مترجماً لأصم، أو يأتي اتصال من الأصم نفسه لحل مشكلة أسرية أو مشكلة في عمله». ويقترح مشاركة الأصم في جميع القضايا التي تخصّه مثل دراسة كل ما يمكن أن يخدم الصم، «لأن الأصم يبقى الأكثر دراية بحاجات فئته، كما هو معمول به في الدول المتقدمة».