من البديهي، عندما تنظّم لجنة مهرجاناً غنائياً عربياً معنياً بالترفيه والتسوّق، أن يقع الاختيار على فنانين يتمتّعون بصوت جميل مهذّب وحساس مثل السعودي رابح صقر واللبنانيين إليسا وفارس كرم ووائل كفوري وفضل شاكر والمصرية شيرين عبدالوهاب. وكذلك بجمهور واسع كالذي رافق صقر في حفلات مهرجان دبي للتسوق حيث امتلأت مدرجات برج ستيبس في وسط مدينة دبي بجماهير أتت من الأقطار العربية خصوصاً الخليجية. لكن في عصر هيفا وهبي والليدي غاغا، بات الاستعراض والترفيه جزءاً أساسياً من هذه المهرجانات التي تنظّم عادة لتسلية الناس والتفريج عن همومهم نتيجة ضغوط الحياة، خصوصاً في مدينة مثل دبي غارقة في الأعمال ولا يستطيع المقيم فيها التقاط أنفاسه. إلا أنه وعلى عكس ما يُتوقّع، كان جمهور هيفا وهبي من الأقل في المهرجان وقد تأخرّت لتطلّ عليه مساء أول من أمس، حوالى 45 دقيقة في جو بارد. بينما تكاثر عدد المشاهدين وعلت أصواتهم وتصفيقهم، عندما وصل فضل شاكر إلى المنصّة، على رغم أن البطاقات كانت مباعة سابقاً بأسعار تتراوح بين 43 دولاراً و110 دولارات للشخص الواحد. وعلى رغم أن هيفا وهبي تربّعت على عرش الإغراء في العالم العربي في السنوات العشر الأخيرة، وتقدّم نفسها «فنانة» أو «مؤدية» استعراضية، إلا أنها في كلّ مرّة تعتلي المسرح لتحيي حفلة لا تنجح كاستعراضية وكمؤدية أيضاً. وإذا كانت هيفا التي تلاحقها عيون الرجال والنساء على حدّ سواء مبهورة بمفاتنها، إلا أنها لم تطوّر نفسها منذ طرحت نفسها «فنانة استعراضية» بين العامين 2000 و2003. ما تُتقنه السيدة الجميلة، تحريف صوتها. لكن يبدو أن هيفا وهبي لا ترى عروض الفنانات الاستعراضيات اللواتي تتشبه بهنّ، مثل الليدي غاغا أو مادونا مثلاً. فهاتان الفنانتان استعراضيتان بامتياز. وتحتاج كل منهما للتحضير لكل حفلة شهوراً، بين الأزياء الغريبة والحركات الراقصة والعروض المبهرة التي تتغيّر في كل موسم وفي كل بلد، عدا عن الموسيقى التكنو والبوب التي تدبّ الحماسة في نفوس الجمهور فلا يبقى شخص واحد جالساً على كرسيه يعاني الملل، كما فعل معظم الحاضرين في حفلة هيفا وهبي في دبي. فالاستعراض ليس أن تتمتّع الصبية بقدّ جميل وجرأة مثيرة وجماهيرية واسعة، بل هو فنّ قائم يحتاج إلى موهبة وكدّ وجهد وتعب وإلى فريق عمل كامل يبتكر عروضاً معاصرة تبدأ بالإضاءة والديكور ولا تنتهي عند الغناء والرقص. الاستعراض يحتاج أن تتمرّن هيفاء وهبي ومثيلاتها اللواتي صار عددهن أكثر من العشب الذي ينبت على جوانب الطرقات، لإمتاع المشاهد وتقديم ما يُبهر عينيه، ولم لا إذا طُربت أذناه أيضاً؟ فالمغني البريطاني من أصل لبناني ميكا، ليست لديه مفاتن مثيرة، لكنه عندما يقدّم حفلة يجمع كل ما توصّل إليه الفن من عناصر ليُلهب جمهوره ويأخذه إلى عالم مليء بالمفاجآت والحكايات والأسفار من خلال السينوغرافيا والإضاءة والموسيقيين المحترفين الذين يُرافقونه. على أي حال، لم يكن فضل شاكر أحسن بكثير من هيفا وهبي في هذه الحفلة التي اختتمت مهرجان دبي للتسوّق، على رغم عذوبة صوته وأغانيه الرومانسية الفياضة. فصاحب أغنية «يا غايب»، و«معقول إنساك معقول»، يبدو أنه نسي أن يتمرّن قبل بدء الحفلة، حيث خرج عن اللحن في معظم أغانيه، وضاعت منه الكلمات في بعضها فاضطرّ جمهوره الغفير الذي يغلب عليه العنصر النسائي أن يردّه. من هنا ليس المهم حصد الشهرة والنجاح والنجومية، بل المحافظة عليها من خلال التفتيش عن أغان وألحان مبتكرة. إذ صارت أغاني فضل في الفترة الأخيرة تشبه بعضها بعضاً، وكذلك وائل كفوري وإليسا. والأرجح أن هذا الإهمال نابع من أن الجمهور العربي أيضاً لا يُحاسب فنانيه ولا ينتقدهم، لذا يستخفّ المطرب أو الملحّن أو الشاعر في صفّ «أي كلام» لإطلاق أغنية.