من الطبيعي أن يُنظر إلى «هجوم» بعض الفنانين المصريين، النجوم وغير النجوم، إلى إنتاج أغان جديدة وطنية تتعلق بمصر وشبابها ومستقبلها الاجتماعي، على أنه ينطلق من زاويتين: الأولى هي أصالة بعض الفنانين وإحساسهم الوطني الذي عُرفوا به، وتالياً فإن أغانيهم الجديدة سوف تكمل أغانيهم المعروفة ذات البُعد الرافض للواقع، والثانية هي أن هناك فريقاً من الفنانين يركب عادة الموجات الشعبية لكي يسجّل حضوره لدى الناس، وكل ما سيفعله في المرحلة القريبة المقبلة هو تكثيف إنشاد أغان وطنية أو اجتماعية (على غير عادته!). ومن الطبيعي أيضاً أن هناك فريقاً ثالثاً من الفنانين يتردّد حتى في إعلان رأي ما، فكيف به في إعلان أغنية تواكب التظاهرات، بانتظار ما بعد التظاهرات ليُبنى على الشيء الحاصل على الأرض مُقتضاه! وهؤلاء للمناسبة ليسوا قلة، بل ربما هم الأكثرية. غير أن ما جرى مع المُغنِّي محمد منير مثلاً، وهو المعروف بأدائه أغانيَ حمَّالة معانٍ رفضية أو ثورية أو «ثقافية» أو «اختبارية» (مثل: علّي صوتك بالغنا» وغيرها)، هو أنه قدم ألبومه الجديد قبل أشهر قليلة، وفيه أغنية بعنوان «إزاي» تحمل مضموناً استنهاضاً إنسانياً من خلال كلمات عاطفية، فلم نجد انتشارها في أي من وسائل الإعلام المصرية او العربية، كما أنه لم يصوِّر لها أي كليب... وفجأة، أصبحت «إزاي» من بين الأغاني الأكثر رواجاً في الشارع المصري حالياً، وهي أغنية قائمة على إيقاع سريع ليس راقصاً، بل هو إيقاع يحرّك الأعطاف عبر «قيمة موسيقية» مؤثرة. ولعلّ أسلوب لفظ محمد منير الغنائي مؤثرٌ أصلاً، في سياق يعتمد التوقف جيداً عند مخارج الحروف، الى حدّ أن حرف « العين» في قافية أحد مقاطع هذه الأغنية يكاد يلتصق بطبلة أذن السامع. وقد قدَّمت الأغنية إحدى الفضائيات العربية الى الجمهور، وأظهرت مع كلماتها وإيقاعها وغناء منير فيها مشاهدَ من يوميات المتظاهرين وحركتهم، وبقدر ما كان انتباه الجمهور المصري عموماً مشدوداً لهذه الأغنية، كما تقول تقارير من مصر في الأيام الأخيرة، فإن ظهورها الفضائي أكمل نشرها بما يناسب. محمد منير، يستعد حالياً لتقديم أغنية خاصة بالمتظاهرين، لا يريد أن تكون أغنية «إزاي» هي تعبيره الفني عما يراه ويشارك فيه بينهم، بل يريد فكرة غنائية جديدة، وهو المؤدي أغاني آتية من «تاريخ» سحيق، عبر «النوبة» وغيرها. وما أمام الأغنية الجديدة الا أيام قليلة... تامر حسني ، مثلاً أيضاً، ومن زاوية مختلفة طبعاً، قرر إصدار ألبوم غنائي كامل عن التظاهرات وأحوال المجتمع والشباب والمستقبل في مصر، مع أنه طُرِدَ على أيدي بعض المُتظاهرين على خلفية تصاريح سابقة لم يستسغها هؤلاء. لم يُعرف هل بإمكان حسني وضع الألبوم في التداول قريباً، لكن مجرّد الإعلان عنه يدفع الى التساؤل عمّا إذا كانت هناك نية بالفعل للقيام به وإنتاجه، أم لا تعدو المسألة «بروباغندا» إعلامية، فالألبوم الكامل هو بين سبع وعشر أغان، وهذا العدد من الأغاني الوطنية أو الاجتماعية ليس سهلاً الحصول عليه في مساحة زمنية ضيقة، إلاّ إذا كان الإعلان عن ألبوم كامل لا يستبطن بالضرورة إنجازه في القريب العاجل. أما «الفريق» الغنائي الذي لا يريد اتخاذ موقف سياسي واضح، مع المتظاهرين أو ضدهم، أي مع النظام، فيفضل أن تقدم له وسائل الإعلام المصرية أغنية شيرين «ما شربش من نيلها»، التي تذكر المصريين والعالم بمصر الإنسان والطبيعة والحضارة... لا بأي موقف آخر.