على رغم أن حياته كانت قصيرة وسنوات نضجه الفني قليلة نسبياً، عاش أنور وجدي حياة ثرية موسومة بالكثافة والزخم، إذ عاش الحب والصعلكة والزواج مرات عدة. خاض تجربة الانتحار. عانى الجوع والعطش والتشرد والضياع سنوات كثيرة. اقتحم مجال كتابة الإعلانات وتقديمها في الإذاعات الأهلية، كان يقوم بالعمل الإعلاني كاملاً بداية من البحث عن المعلن مروراً بكتابة المادة الخاصة بالإعلان وانتهاء بتقديمه بصوته في الإذاعة. قدم لفرقة «بديعة مصابني» بعض الاسكتشات والمسرحيات القصيرة، بعضها من تأليفه والبعض الآخر اعتمد فيه على النقل والاقتباس. ألّف بعض أفلامه وكتب أفكاراً وسيناريوات تنازل عنها لآخرين ومنها بعض أعمال إسماعيل يس. نشرت له الصحف على حلقات أسبوعية قصة بعنوان «فرحانة». قدم في الأربعينات من القرن الماضي برنامجاً ثابتاً في الإذاعة المصرية كان عبارة عن تمثيلية إذاعية من اقتباسه أو تأليفه كان يقوم بإخراجها وتمثيلها. وهو بعد تجارب مسرحية عدة صعد درجات المجد والتألق السينمائي بسرعة كبيرة قبل أن يخطفه الموت بعد رحلة مؤلمة مع المرض. تلك هي ملامح البورتريه الذي يرتسم في مخيلتنا عندما نقرأ كتاب «سينما أنور وجدي» للناقد والباحث السينمائي محمد عبدالفتاح. صدر الكتاب حديثاً عن سلسلة «آفاق السينما» ويقع في 368 صفحة. الباب الأول «مسيرة حياة» بمثابة نافذة نطل منها على لوحة تعكس شتى الأوضاع السياسية والاقتصادية والفكرية في مصر عام 1911 عام مولد أنور وجدي المفترض. كما يحوي الكتاب رؤية للحياة والمناخ العام الذي ساد العالم، وللحياة السينمائية في مصر آنذاك وصدور قانون الرقابة على الأفلام وهو العام الذي ولد فيه «أنور وجدي». المخرجة المناسبة على رغم اختلاف المصادر حول تاريخ ميلاد أنور وجدي، فإن الباحث ينتصر لتاريخ 11 تشرين الأول (أكتوبر) 1911، ولا يكتفي بذكر المعلومة لكنه يذكر الآراء المتناقضة والمختلفة معه ويفندها في محاولة للوصول إلى الحقيقة. واضح أنه يبحث عن الصدق وسط التناقض، ويحاول نزع الكذب عن كثير من الأحداث. يحكي عن والد وجدي ووالدته وهما من أصول سورية، عن بداية أنور وجدي المبكرة في التمثيل وحلم السفر إلى هوليوود ومحاولته الانتحار، عن خطواته الأولى في التمثيل مع فرقة «رمسيس» لصاحبها «يوسف وهبي»، عن طرده من البيت وسنوات التشرد والتسكع، عن صعوده التدريجي في المسرح من عامل إكسسوار إلى كومبارس صامت ثم ممثل ثانوي، عن انتقاله إلى الفرقة القومية للمسرح عام 1935 والتي كانت بمثابة طوق نجاة موقت من حياة الفقر والتشرد والضياع، خصوصاً أنه لم يجد مجالاً واسعاً في مسرح «رمسيس»، لم يجد من يحتضنه ويرعاه ويوجهه ويدفع به إلى الصفوف الأولى بسبب سيطرة أصحاب الأسماء الكبيرة بحكم خبرتهم أو نفوذهم. ولكن مع الفرقة الجديدة حدث العكس، فقد تبناه «زكي طليمات» وخاض معركة ضارية من أجله حتى يسند اليه دور الفتى الأول، لكن سطوة الكبار أنهت الصراع باستسلام طليمات بعدما منح أنور دوراً في مسرحية «تاجر البندقية» في موسم (1935-1936). في الفصل الثاني نتعرف الى دوره في «جناية نصف الليل» (1930)، الذي يُشكل بدايته المجهولة في تاريخ السينما، وصولاً إلى عام 1945 تلك السنة الفاصلة في حياته والتي قدم فيها 13 فيلماً - من إجمالي 41 فيلماً أنتجتها السينما المصرية - وهو رقم غير مسبوق في تاريخ أي فنان سينمائي حتى الآن باستثناء إسماعيل يس. يفرد المؤلف مساحة لقصص الحب والزواج في حياة أنور وجدي، لحكايته مع الزوجة المجهولة الراقصة قدرية حلمي التي ارتبط بها خلال الفترة الأولى من حياته قبل أن يُصبح مشهوراً، ثم زواجه من الأرستقراطية إلهام حسين التي قدّمها بنفسه للعمل في السينما، لكنهما سرعان ما انفصلا، لتُواصل هي حياتها السينمائية بعيداً منه إلى أن تركت الفن متجهة إلى التجارة عام 1947. ثم قصة ارتباطه بالفنانة ليلى مراد والحروب النفسية التي نشبت بينهما وعلاقتهما خلف الجدران والأبواب المغلقة التي انتهت بالطلاق مرات ثلاثاً. ثم زواجه من ليلى فوزي بعد انفصالها عن عزيز عثمان. ويحكي الكتاب أيضاً وبتفصيل عميق عن أسباب ومقومات النجاح في شخصية أنور وجدي التي أهلته للحصول على لقب فتى مصر الأول، على رغم أنه لم يكن يمتلك قدرات خاصة في الأداء، فهو لم يكن ممثلاً في قوة أستاذه يوسف وهبي أو زكي رستم أو حسين رياض. ربما لذلك كان أنور وجدي يحرص، دائماً حتى في أدوار البطولة المطلقة، على أن يلتف من حوله عدد من نجوم الكوميديا والغناء وعدد آخر من الأسماء الكبيرة في فن التمثيل. ويكشف المؤلف كذلك عن الأسباب الحقيقية والنفسية وراء تصديه للإخراج، وتكوين شركة إنتاج سينمائي قدمت ثمانية عشر فيلماً، وعن أسباب اهتمامه بالتخطيط ووضع استراتيجية للإنتاج والدعاية والإعلان والتوزيع، عن اكتشافه فيروز ومنحه الفرصة لعدد من النجوم للبزوغ مثل لبلبة. عن محاولاته الترشيح لمنصب النقيب، ومساعيه الحثيثة للحصول على البكوية مثل أستاذه يوسف وهبي. أين الفنان إذاً؟ من ناحية أخرى، يتناول الباب الثالث في الكتاب سينما أنور وجدي المخرج والمؤلف وروافده السينمائية وثقافته الفرنسية. يعرض السمات المشتركة بين أفلامه، فهي متخمة بالترفيه والأغاني في شكل جعل محمد عبدالفتاح يسميها «سينما مسرح المنوعات» في إشارة إلى تأثر وجدي بالمسرح الذي كان سائداً في الثلاثينات والأربعينات وترك أثره الكبير في تفكيره. وكانت الصورتان السائدتان في أفلامه صورتي الضابط والموسيقي المتشرد التي استلهمها من شارلي شابلن. من أهم فصول الكتاب ذلك الذي يكشف عن نظرة أنور وجدي الى المرأة خصوصاً من خلال أعماله التي قام بكتابة السيناريو والحوار لها. فعلى رغم أن بعض قضايا المرأة كانت مثارة في ذلك الوقت مثل تحررها وسفورها من عدمه وهل مكانها المناسب هو البيت أم الخروج للعمل والمشاركة في الحياة العامة ودورها في الأسرة، فإن سينما أنور وجدي لم تتعامل مع تلك القضايا في شكل حاسم، إذ تارة كانت تقف معها وأحياناً تقف ضدها وإن كانت تركن في معظم الأحيان إلى مغازلة شباك التذاكر. ويختتم المؤلف كتابه بفيلموغرافيا تفصيلية لأعماله السينمائية والإذاعية والمسرحية. ويعتبر محمد عبدالفتاح مؤلف الكتاب أحد الباحثين القلائل الجادين في رصد المعلومات السينمائية وتوثيقها. وهو يحاول من خلال الشهادات والأخبار أن يستنطق الأحداث والتواريخ. مع ذلك لا يتخلى عن صياغة كتاباته بأسلوب أدبي بسيط. وللمؤلف مجموعة كتب مهمة منها: «ماري كويني كفاح الرواد»، «حوار مع المكرمين»، «إسماعيل يس»، «حسن الإمام مخرج الروائع»، «الأخوان حسين فوزي وعباس كامل»، «أحمد الحضري رائد الثقافة السينمائية» و «سينما نيازي مصطفى». إلى جانب كتب بالاشتراك مع آخرين. ومن المنتظر أن يصدر عبدالفتاح قريباً «سينما أحمد كامل مرسي» و «سينما كمال الشيخ».