ماذا لو لم ينحصر أمر التنافس في الرياضة بين البشر، طالما علوم الجينات تعد بال «تقارب» بين أجسادهم والحيوانات؟ ماذا لو دارت مسابقات رياضيّة بين الأصناف الحيّة، فصار الأمر شبيهاً ب «أولمبياد حيواني شامل»، مع إعطاء «ضمانات» كافية بلجم شهوات القتل والالتهام! وتبدو قواعد «الأولمبياد الحيواني» الخيالي سهلة تماماً، كأن أحداً لا يدعس الآخر أو يأكله أو يلتهمه. ويجيء اللاعبون من «مناطق» متباعدة. وما يفصلهم ليس الجغرافيا وحدها، بل بيولوجيا الكائنات الحيّة. وتصلح الكلمات السابقة إعلاناً خيالياً عن «الأولمبياد الحيواني الشامل» الذي يتبارى فيه الأفضل بين لاعبي البشر في الألعاب كلها، مع «أنداد» لهم في عوالم الحيوانات والوحوش والزواحف، بل حتى الحشرات. وبحكم واقع الحال، لن يجدي أن يتضمن ذلك الأولمبياد ألعاباً جماعيّة يخوضها فريق ضد آخر. فالأرجح أن يحتكر البشر مثل تلك المسابقات. ومهما قيل في قوة الإنسان البيولوجيّة أو ضعفها، فإن العمق الأشد غوراً في هويته يتمثّل في العقل والذكاء. إذ يقدر البشر وحدهم على تأليف فِرق تتفاهم بالكلمة والنظرة، وتفهم القوانين وتتصرّف بناء عليها. إذاً، يحصد البشر ميداليات الذهب والفضية والبرونز لألعاب الفرق ككرة القدم والسلة والطائرة واليد، إضافة إلى سباقات البدل والتتابع. لكن، لن يضمن البشر فوزاً سهلاً في الألعاب الفرديّة. وفيما حصد الفهد الأبيض (ال «شيتا» Cheetah) أول ذهبيّة للحيوانات. فإنّ ذلك الراكض على أربع هو أسرع عدّاء في الأرض. وتصل سرعته إلى 135 كيلومتراً في الساعة! لا أمل للجامايكي الملتهب الخُطى أوسيان بولت منافسته. ولا تأتي سرعة ال «شيتا» من ساقيه وحوضه كحال الإنسان، بل من مجموع قوى جسده المملوء بعضلات قويّة. وكذلك تدفعه أطرافه الخلفيّة والأماميّة بحجمها الضخم قياساً إلى مجمل الجسم. ويستفيد من ليونة ظهره وغياب عظام الكتف، وتتصل سواعده مع الجسم بالعضلات وحدها. وعندما يُقلّص جسمه تتقارب أطرافه الأربعة، ويتقوّس ظهره إلى حدّه الأقصى. ويعقب ذلك انطلاق مذهل، خصوصاً بفضل اندفاع القوائم الخلفيّة إلى الأمام. وتكفل تلك القوى الرهيبة للفهد الأبيض كل الميداليات الذهبيّة لسباقات الركض من مسافة مئة متر وحتى ألف وخمسمئة متر. ويحتاج خمس عشرة ثانية ليقطع أربعمئة متر، أي أقل من ثلث وقت أسرع عدّاء بشري. وفي سباق الألف وخمسمئة متر، يعاني أبطال الجنس الإنساني إرهاقاً شديداً في ما ال «شيتا» يُنهي السباق بدقيقة، أي أسرع بمرتين ونصف من الرقم العالمي القياسي لتلك المسافة.