ثمة قاسم مشترك بين غربان أمانة جدة وفئرانها المنتشرة وبين الأميريكيين جوزيف باربيرا ووليام هانا، فالأول ابتكرت فكرة استيراد الغربان الهندية للقضاء على الفئران البلجيكية منذ 30 عاماً، أما الآخر ابتكر شخصيتي الرسوم المتحركة الشهيرتين توم وجيري قبل 70 عاماً، ليتعاركا في مشاهد كوميدية تنتهي غالباً بسيطرة أحدهما على الآخر. القط توم والفأر جيري أسعدا ملايين الأطفال لكونهما إنتاج كوميدي غير ضار بالآخرين، أما غربان الأمانة وفئران «كورنيشها» فهما مخزنان للفيروسات التي تهدد حياة السكان، والنتيجة ليست «قتل عصفورين بحجر واحد» بل مصيبتين بفكر واحد. لم تفلح محاولات الأمانة في القضاء على الفئران البلجيكية التي تتخذ من كورنيش المحافظة مكاناً آمناً لها منذ أواخر السبعينات لأنها تتغذى من بقايا الطعام ومخلفات الجلسات البحرية، لتتورط حالياً في كيفية القضاء على آلاف الغربان التي يحذر منها مراقبو الصحة وخبراء البيئة في السعودية. ويقول أحد خبراء شؤون البيئة: «إن الأمانة نجحت جزئياً في الحد من تكاثر الغربان داخل الأحياء منذ أن رصدت أكثر من خمسة ملايين ريال عام 2008 عبر نشر اللحوم المسمومة وإزالة أعشاشها وملاحقتها بفوهات بنادق الصيد، لكن خططها لم تكن بالمستوى المأمول بالنظر إلى حجم الموازنة المرصودة». حكاية مطاردة الأمانة للغربان والفئران الأجنبية، أفرزت نكات ساخرة يتداولها السعوديين في مجالسهم، كردة فعل غاضبة على أحوال مدينتهم العروس التي لا تزال «تتخضب» شوارعها وواجهتها خشية أن ينالها لقب «العجوز» التي شاخت واستسلمت للمرض. أصوات الرجال والنساء والرقيب بحت وهي تنادي بإنقاذ العروس من الأذى الطائر أو الزاحف، سواء كانت محلية كما هو الحال في بعوضة الضنك أو أجنبية مستوردة كالغربان الهندية والفئران البلجيكية. وليس غريباً أن يقترح أحدهم توزيع ملخص كتاب الداعية عايض القرني «لا تحزن» عند دخول بوابة جدة، لأنها تعالج الحيرة والكآبة والتشاؤم عندما تصطدم ببنيتها التحتية، وتحقنك بالتفاؤل وتزيل عنك الهم والغم من مشاهد التلوث البيئي والبصري في شوارع العروس، وتمنحك مصالحة مع الأمانة.