تعين أحد «العرابجة» على وظيفة كابتن طيار، لكن تم فصله من العمل بعد أسبوع واحد فقط، لماذا؟ لأنه قام بتظليل زجاج الطائرة، وكتب عليها «المجروح». ولمن يسألون كيف تخرج أساساً من كلية الطيران أقول إنه باتباع سياسات «الجرح والتعديل» فالإخوة العرابجة لا خلاف على ذكائهم، لكن الاختلاف على طريقة تفكيرهم، وفي موضوع الجروح تحديداً يكثر اللاعبون في السوق العاطفية والثقافية، على رغم أنهما سجلا انخفاضاً بمقدار «نسبة تحت» أخيراً. ويبدو أن «المجاريح» يتأرجحون بين تيارات متباينة حد «التشقق»، فهناك فريق الكابتن أعلاه، ممن ينحتون كلمة الجرح ومشتقاتها على الجدران، والسيارات، وأخيراً الطائرات، وممن يجمعون حالياً «قطية» لشركة «جنرال موتورز» لإنقاذها من الإفلاس كونها المصنعة لأحد أهم ملامح ثقافتهم وهو سيارة «شفر موديل 1979» التي يطلقون عليها العبارة الأشهر في تنظيم العرابجة - فرع السعودية - وهي: «تسعاوي... يجرح ويداوي». وهناك فريق الروائيين والشعراء من أصحاب جروح الذاكرة، جرح الخاطر، والجرح الصامت، الغائر، الثائر، والمستشفي، وغير القابل للشفاء إلا في المستشفيات الأهلية، وهم أيضاً يجمعون مالاً لتوكيل محامي ادعاء يحاول إسقاط شركة السيارات الأميركية نفسها على اعتبار أن منتجها المذكور أعلاه كان أحد أبرز ملامح تخلف ثقافة الجروح العريقة في الأدب العربي. أما متوسطو «الانجراح» فهم الفئة الوسطية بين العرابجة والمثقفين، وأورد العرابجة أولاً في طرفي المباراة لأنها تقام على أرضهم، والفئة الوسطية هم أنصار «مجاريح يالغالي مجاريح»، «تجرح وتنساني ولا اقدر اسألك، من يسأل الجراح عن جور الجروح» وتأملوا كمية الجيمات والحاءات في مطلع الأغنية السابقة، التي يقابلها كمية الإيحاءات عند الفئتين المتشددتين «جروحياً» أعلاه. وتبقى إشكالية الفئة الوسطية في حقوق الملكية «الجرحية» ولمن يمكن منح شهادة براءة «الاجتراح» في العصر الثقافي الجديد، هل هي لرباب صاحبة «اجرح وعذب على ما تشتهي»، أم تراها لعبدالكريم عبدالقادر صاحب «الجرح الندي»، أو للمنشد الذي دخل الساحة «المتوسطة» أخيراً محمد عبده صاحب «ياصاح انا قلبي من الحب مجروح، جرح عطيب ما لقى من يداويه». وأخيراً فإذا لم يكن سلك الهاتف أو الكومبيوتر «مجروحاً» يمكنك التجول في محرك الديزل الشهير والبحث عن كلمتي «الجريح» و «الجريحة» لتكتشف حجم الدماء التي نزفها الشباب و«الشيبان» ولم يفكر أي منهم بالتبرع بها لبنوك الدم. [email protected]