دخل الكاتب محمد بن صالح الشمراني دائرة الصراع الفكري عبر روايته «زوار السفارات» الصادرة حديثاً عن دار منتدى المعارف اللبنانية، عبر تجديده ظاهرة التنميط التقليدي في النظرة العامة للثقافة والمثقفين، وكل ما يقال عنهم من المناوئين لهموالرواية الواقعة في 248 صفحة تدور أحداثها في قالب بوليسي، يصور المشهد العام للوضع الثقافي أنه منفلت، ليس أخلاقياً فقط. وتقوم فكرة الرواية على اختراق أمني كبير للمشهد الثقافي المحلي، يسمح بتدخل قُوَى أجنبية في أدق التفاصيل التي تُجرَى على أرض الواقع. كما تحاول الرواية أن تبرز جانب العمالة للغرب، من خلال تفسير بعض التصرفات بأنها لا تصب في خدمة الدين والوطن في الوقت نفسه. وحاول الشمراني أن يلفت نظر القارئ إلى أن الرواية ليست دوماً من نسج الخيال، في محاولة منه للإيحاء بأن روايته تتقاطع مع واقع فكري وثقافي يزعم هو بوجوده، وأنه يشكل خطراً لا بد من التنبيه إليه. وقد سانده في إثبات هذه المهمة الباحث الشرعي إبراهيم السكران الذي قدم للرواية. وقال في مقدمته: «هذه الرواية المبتكرة «زوار السفارات» هي أول عمل سردي سعودي حاول جمع خيوط واستكشاف العلاقات الغامضة، وأنا متأكد منه أن هذه الرواية ستربك الخطة تماماً». وهنا نلحظ أن المؤلف لم يتجه إلى ناقد كبير يعزز موقفه الأدبي، ولا إلى روائي يسهم في إضافة لمسة جمالية على العمل، ولكننا نجده يعتمد على باحث شرعي بغية إبراز هدف معين من خلال الرواية، فوجود اسم السكران كشخصية جدلية وذات حضور قوي بالمشهد المحلي، ولها إسهامات عدة في الرد على الأطروحات الليبرالية سيساعد في انتشار العمل على نطاق واسع ويضفي عليه الكثير من الشرعية الفكرية. واستعان الشمراني أيضاً في كل فصل بمقولة اقتطعها، إما من أحد الكتب أو من أحد المحاضرات أو المقالات أو المقابلات، والتي كان يشعر أنها ستخدم موقفه وتعري الطرف الذي يستهدفه في هذه الرواية. وحرص على أن تطابق هذه المقولات مضمون كل فصل، إلا أنه في الفصول الأخيرة والتي اشتدت بها وتيرة العمل، إذ وصلت الإحداث إلى التخفي والنجاة من محاولات الاغتيالات كان المؤلف يستشهد بمقولات تخص ما يطلق عليه تغريب المرأة وإفسادها، وهو ما أربك القارئ ذهنياً وجعله يشعر أن هناك حشراً لأي مقولة تشوه سمعة التيار الليبرالي أين كان موضوعها. وأهدى الشمراني العمل إلى أبطال روايته عبير البدر وياسر الواصلي واضعاً إياهم في موضع الانفلات الأخلاقي، كما أطلق عليهم أنهم من زوار السفارات، وأنه يكتب هذه الرسالة، على حد تعبيره إهداء لهم. وهو هنا يضع عمله في إطار الرسالة لا في إطار النص، في محاولة منه لتأكيد أن هذا العمل يستهدف أناس موجودين بالفعل وعليه فهو يكتب إليهم لينجو بأنفسهم من هذا المأزق الفكري والأخلاقي الذي يعيشون فيه. وقصة هذا العمل أن ياسر الواصلي وهو كاتب مشهور يجد نفسه مهدداً بالتصفية والتنحية عن دوره القيادي في المجمع الثقافي، الذي هو حلقة الوصل في التعامل مع السفارات الأجنبية من أجل تشويه ملامحه الثقافية، من خلال الطعن في كل شكل من أشكال التدين الظاهرة على أفراده. وهنا يعتزم الواصلي أن ينتقم من هذا المجمع لما أراد فعله به، ويسعى إلى التخفي بمسمى أحمد الجلال ويلعب لعبته في ابتزاز القائمين على هذا المجمع الثقافي، الذي تتم فيه ممارسة الانحلال الأخلاقي من جهة وكذلك تعقد فيه الاجتماعات التي تخطط لاستهداف قضية معينة أو شخصية اعتبارية بعنيها. وحتى يتمكن ياسر الواصلي أو أحمد جلال من القيام بهذه المهمة قام بسرقة الحاسب المحمول لقائد هذا المجمع توماس هول، والذي يحتوي على أسرار خطيرة تخص المجمع وكذلك تخص الأفراد المتعاملين معه وملف خاص بكل واحد منهم يحتوي فضائحهم ومستندات تدينهم. وما أن استطاع الواصلي من سرقة الحاسب وتم التعرف عليه بأنه هو الجاني حتى تمت مطاردته ومحاولة الوصول إليه حياً أو ميتاً وأخذ الحاسب المحمول منه، من أجل دفن كل الملفات التي يحتويه. وبعد فوضى أمنية كبيرة وتداخل الكثير من الأحداث، يتم القبض على الواصلي ولكن بعد أن تخلص من المعلومات التي يحتويها الحاسب بطريقته الخاصة. وسألت «الحياة» الشمراني عن الفكرة العامة التي أراد إيصاله من خلال روايته، فاعتبر أن القارئ عندما ينتهي منها يدرك ما يراد قوله: «لا أريد أن أدخل في تفسير وتوضيح ما كتبت، بل أدع تفاصيل ذلك لذهنية القارئ، فهو الحكم الأخير. على أن الفكرة المراد توصيلها مفهومة ومباشرة، ويمكن تلمس ذلك من خلال عنوان الرواية، والاقتباسات في بداية كل فصل، وأحداث الرواية التفصيلة، وحتى في تقديم الأستاذ إبراهيم السكران». وعن تصويره للمشهد الثقافي بالانحلال الفكري والأخلاق، وهل هذا صحيح بالأصل، قال: «لم آت بشيء من مخيلتي، ولم أنسج خيالات لا واقع لها، إنما قمت بتوصيف بعض الحال، واستعنت ببعض الشهادات الحية من الداخل، بل قابلت بعضهم بنفسي أو عن طريق وسيط بحيث تواترت توصيفاتهم مع ما ضمنته في أحداث روايتي، كما أن ذلك ليس سراً مخفياً عن الناس، بل توجد شهادات معلنة كشفت بعض ذلك في وسائل الإعلام المختلفة، وبشكل صريح جداً، وقد ضمنت بعض تلك الشهادات في الاقتباسات الموجودة في بداية كل فصل». وأبدى الشمراني تحفظه على مصطلح المشهد الثقافي فيما تناوله في روايته من حال المثقفين، «فهو واسع وفضفاض وتنطوي تحته العديد من الأفكار والتوجهات المختلفة بل والمتباينة أحياناً، وما صورته في روايتي يخص فصيلاً محسوباً على المشهد الثقافي وليس تصويراً للمشهد كله، كما أنني لم أدع التعميم ولا يجوز لي ذلك، فما حاولت تصويره هو وجود فئة معينة تحمل بعض هذه الأفكار، وبعض هذه الممارسات».