توقّع اقتصاديون ومستثمرون سعوديون أن تشهد مصر مرحلة جديدة أكثراً شفافية وانفتاحاً على رؤوس الأموال الأجنبية بعد التطورات الأخيرة التي أسفرت عن تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن منصبه وتسليم السلطة للجيش تمهيداً لحكم مدني ديموقراطي. وعلى رغم عدم التيقن بشأن المستقبل السياسي للبلاد، يساور المسؤولين الحكوميين والمستثمرين عموماً إلى جانب غالبية المصريين أمل كبير في حكومة وسوق أكثر انفتاحاً وأكثر جذباً للمستثمرين مع رسوخ قدم اقتصاد الأسواق ونمو التجارة تدريجياً في بلد يتطلع سكانه البالغ عددهم 80 مليون نسمة لأن يصبحوا جزءاً من الاقتصاد العالمي. وقال رئيس المجلس السعودي المصري للأعمال عبدالله صادق دحلان ل«رويترز»: «المرحلة المقبلة مرحلة إصلاح وتطوير للقوانين والأنظمة التي تستطيع أن تحد من الفساد المالي والإداري، والشعب المصري اثبت أنه لا يهدف إلى التخريب، فمطالبته كانت الإصلاح بشكل سلمي وسعت للحفاظ على أصول الاستثمارات». ووفقاً للمجلس السعودي - المصري للأعمال يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر ما بين 27 و30 بليون جنيه (بين 4.5 و5.10 بليون دولار)، وتتوزع رؤوس الأموال السعودية في مصر على عدد من الخيارات الاستثمارية أبرزها قطاع الخدمات والسياحة والطيران والقطاع العقاري والزراعي إلى جانب بعض الأنشطة المالية. وعلى مدى 18 يوماً خرج مصريون في تظاهرات حاشدة للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس المصري حسني مبارك وبتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة النطاق، وأدت التظاهرات في نهاية الأمر إلى إعلان مبارك يوم (الجمعة) الماضي تنحيه عن الحكم بعد 30 عاماً قضاها في منصبه وتسليم السلطة للجيش الذي قال انه سيحكم البلاد فترة انتقالية تستمر ستة اشهر او حتى اجراء انتخابات، كما اعلن خطوات من بينها حل البرلمان وتعطيل الدستور. وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة الطيار للسفر والسياحة ناصر الطيار، والذي الذي يبلغ حجم استثمارات شركته في مصر 100 مليون ريال: «اعتقد أننا أمام تجربة تركية جديدة في العالم العربي سياسياً واقتصادياً». وأضاف: «من استثمر في تركيا قبل عشر سنوات حقق نتائج ممتازة، ومصر هي تركيا الحاضر في حال الاستقرار السياسي الذي نأمل أن يكون سريعاً». وتوقع الطيار أن تكون هناك عودة سريعة للأعمال منذ أعلن الرئيس مبارك تنحيه، مشيراً إلى أن نسب الإشغال ارتفعت في رحلات وبرامج شركته إلى 20 في المئة بعد أن كانت شبه معدومة. كان الطيار قال ل«رويترز» الأسبوع الماضي إن عمليات شركته تراجعت بما يقارب 30 في المئة اثناء الأزمة التي دفعت أعداداً كبيرة من السياح لمغادرة البلاد في ذروة الموسم السياحي في مصر. من جانبه، أكد رئيس مجلس إدارة شركة العربية للعود والمستثمر في البورصة المصرية عبدالعزيز الجاسر، عزمه الاستمرار والتوسع في جميع استثماراته في مصر، كما قرر أن يضاعف حجم تعاملاته في سوق الأوراق المالية المصرية بنسبة 100 في المئة لكنه امتنع عن الخوض في تفاصيل. وأوضح الجاسر: «البورصة المصرية من أفضل الأسواق العربية، وأتوقع أن تكون عوائدها مذهلة خلال العامين المقبلين» لكنه أوضح أن ذلك «سيكون مرهوناً باستلام الحكومة المدنية لمهامها». من جانبه، قال المدير العام لشركة الصرح للسفر والسياحة عضو لجنة الاستثمار في غرفة تجارة وصناعة الرياض مهيدب المهيدب، أن البورصة المصرية تشكل إغراءً كبيراً أمام المستثمرين، مشيراً إلى أنه ينوي الاستثمار في البورصة المصرية عند عودتها للعمل، ويتوقع أن تحقق استثماراته أرباحاً تقترب من 30 في المئة خلال عام. وقال الاقتصادي السعودي عضو مجلس الشورى السابق إحسان أبو حليقة: «اقتصاد مصر كبير ومبني على قاعدة اقتصادية منوعة وهو متقدم على معظم البلاد العربية بما فيها دول الخليج على مستوى الصناعات المصرفية والخدمات المالية». ورأى أبو حليقة أن الثقة في الاقتصاد المصري تعززت أكثر بعد الأحداث، إذ حرص الجميع على الحفاظ على السمعة التي اكتسبتها مصر في مجال الاقتصاد والمناخ الاستثماري في السنوات الماضية، مشيراً إلى أن «تكاليف التأمين على السندات المصرية في ذروة الأحداث كانت أقل منها في مشروع النخيل بدبي». كانت مؤسسة ماركت المعنية برصد البيانات قالت إن كلفة التأمين على الديون السيادية المصرية من مخاطر التعثر أو إعادة الهيكلة لمدة خمس سنوات تراجعت 25 نقطة أساس إلى 315 نقطة أساس بعد إعلان تنحي مبارك عن الحكم يوم الجمعة مقارنة مع 380 نقطة اساس في وقت سابق خلال اليوم و340 نقطة اساس في إغلاق الخميس. وبلغت تلك الكلفة 240 نقطة أساس قبل بداية 2011. وأشار أبو حليقة إلى أن البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية «أدارا الأزمة بحكمة عالية وذكاء ما سيكون له أثر في تدني نسبة تصنيف مخاطر الدولة. وأجمع المستثمرون السابق ذكرهم على أن مصر ليست بحاجة إلى أكثر من استقرار سياسي وتحقيق مطالب المتظاهرين التي دعت إلى الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد لطمأنة رؤوس الأموال. وفضلاً عن حل البرلمان وتعطيل العمل بالدستور تعهد بيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى الحكم في مصر بإجراء استفتاء على تعديلات دستورية. وقال أبو حليقة: «إذا استمرت معالجة الأزمة بهذه الطريقة ستكون العودة سريعة، فمن الواضح أن الوضع متجه إلى الاستقرار والسلطة الموقتة عاقلة ومسؤولة».