أتاحت «ثورة الياسمين» الفرصة لعدد كبير من الفضائيات العربية والعالمية لدخول تونس، بعدما كانت ممنوعة أو شبه ممنوعة من مواكبة الأحداث أو التصوير فيها، وفي أي مجال، مثلما كان الأمر مع «الجزيرة» و«العربية» و«فرنسا 24»، وسواها من القنوات. وشكّلت الثورة مجالاً خصباً لعدد من الإعلاميين الذين سجلوا حضورهم في العاصمة التونسية وفي المدن الأخرى، إذ جاب كثر منهم مدن الشمال الغربي والساحل والوسط والجنوب الغربي والشرقي لمتابعة آخر تطورات الثورة والنزول عند رأي الناس في مدنهم وقراهم. ولم تكتفِ قناة «بي بي سي» بتصوير تحقيقات عن الثورة وآثارها، إنما آثرت إنتاج فيلم وثائقي، من إخراج التونسي زهير اللطيّف، صاحب الفكرة، وإنتاج مارك بركينس، رئيس قسم الأفلام الوثائقية في القناة، أما النسخة العربية فستحمل توقيع عبدالرحيم الفارسي، وهو بريطاني من أصل مغربي. يرصد الشريط التحوّلات في تونس من خلال مدينة القيروان، مسلطاً الضوء على هذه المدينة التاريخية أيام الثورة بتفاصيلها الصغيرة من خلال تصوير الحياة اليومية للناس وتسجيل شهاداتهم عن الفترة الماضية وآمالهم وتطلعاتهم. زهير اللطيّف، ابن القيروان، يؤكد أنّ الكاميرا في الفيلم ستتجول للمرة الأولى بكل حرية في مدينته، ويضيف: «ساعدني أهل المدينة على العمل في شكل جيّد، خصوصاً أنني أتيت لأصور أول فيلم وثائقي عن الثورة منطلقاً من مدينة القيروان التي أهملها النظام السابق لأعوام طويلة». ويقول اللطيّف إنه يهدف من خلال هذا الشريط الى ان يقول لكل العالم إنّ «القيروان شهدت على امتداد تاريخها مظالم وتعديات، فقمع أهلها وسجنوا منذ الستينات». ويفصح أن الناس تحدثوا بكل عفوية وصدق عن الفساد المالي والسياسي، ويرى انه باختصار شريط «يعيد الذاكرة ويسترجع الماضي من دون خوف، راصداً هذه الحقبة التاريخية بكل ما فيها». ويرى اللطيّف «أنّ من واجب الإعلاميين الآن الارتقاء بالمشهد الإعلامي التونسي من خلال المساهمة بالتوثيق في كشف مواطن الفساد والمفسدين والقمع والتعذيب ونقل تطلعات الشعب والمساهمة في البناء». ويقول: «سجلت شهادات مهمة ستفاجئ المشاهد التونسي والعربي حول ما كان يحدث في هذه المدينة». ويشير الصحافي عبدالرحيم الفارسي الى أنّ أسباباً عدة أدت الى اختيار القيروان، لعلّ أهمها أنها «تعتبر رمزاً للحضارة العربية الإسلامية المنتفضة على الظلم والقهر. هي مدينة تعرّضت لكثير من التهميش في العهد السابق، لذلك أردنا أن نسلط الضوء عليها وعلى الحياة فيها، ولعلنا ساهمنا في نقل صورة أمينة عنها إلى العالم». ولم يخفِ المنتج مارك بركينس سعادته بالإقامة في القيروان، ويقول: «أعجبتني هذه المدينة كثيراً، وأتمنّى أن يكون لها مزيد من التقدم والنجاح في تحقيق آمالها». ويؤكد أن «هذا الشريط سيشكّل مفاجأة للمشاهد العربي والغربي من خلال الصور والشهادات التي سجلها». فريق التصوير سيباشر هذا الأسبوع جولة بين تونس ومصر والجزائر والمغرب لتصوير شريط حول شباب الإنترنت، ومدى مساهمتهم في ثورة شعوبهم. وسيعرض باللغتين العربية والإنكليزية بعد الانتهاء من عمليات المونتاج.