إذا كانت السينما الوثائقية العربية قد فقدت، في رحيل عمر أميرالاي، واحداً من أبرز روادها وأنشط صانعيها، وربما أكثرهم اهتماماً بالسياسة عبرها أيضاً، فإن هذه السينما كانت قبل عمر أميرالاي بأيام قد فقدت اثنين من صانعيها البارزين أيضاً، وهما اللبناني سايد كعدو، والتونسي مصطفى الحسناوي، ولئن قد جرى الحديث عن رحيل كعدو في حينه، فإن رحيل الحسناوي مرّ، وسط الأحداث التونسية العنيفة التي كانت مشتعلة بوفرة يوم ذاك الرحيل (15 كانون الثاني/ يناير الفائت)، حجبت ذلك الرحيل عن وسائل الإعلام، ما جعل كثراً يفاجأون حقاًَ، حين وصلهم النبأ المحزن متأخراً. والحسناوي الذي عاش وعمل طويلاً بعيداً من أضواء الإعلام الشرقي واهتماماته، كان من آخر الأعمال التوثيقية التي حملت اسمه (شراكة هذه المرة مع السينمائية المصرية ماريان خوري) فيلم «ظلال» الذي طاف في مهرجانات عدة بدءاً من مهرجان البندقية الإيطالي (أواخر صيف العام 2010) الذي شهد فوز الفيلم وآخر ظهور علني للحسناوي، الذي لم يكتشف الداء العضال الذي سيودي به بعد حين، إلا فور انتهاء المهرجان. ولد مصطفى الحسناوي في مدينة صفاقس التونسية العام 1952 وعمل خصوصاً في فرنسا حيث حقق خلال العقدين الأخيرين عدداً لا بأس به من شرائط سينمائية كانت تعرض على شاشات التلفزة لافتة الأنظار الى عمل اجتماعي - انتروبولوجي اهتم بخاصة بالفنون العربية - الإسلامية، قبل أن يهتم بأعمال عن الحياة الأدبية في فلسطين ومصر والسويد. ولقد حظيت مصر وفلسطين بجزء أساسي من اهتمامات الفنان الراحل، لا سيما في شرائط مهمة له مثل «القاهرة، أماً وابناً» (2000) و «في الزمن الرمضاني» (2001). ولقد لفتت الشرائط التي حققها الحسناوي عن الموسيقي «الصياد» الأنظار وحقق عبر واحد منها جائزة مهمة في «كان» 1994. ونذكر ان مصطفى الحسناوي الذي عرف المشرق، وبخاصة مصر، بأفضل ما عرفها أي مبدع مغربي آخر، أمضى جل حياته في فرنسا، حيث ساهمت قناة «آ ر تي» الثقافية الفرنسية/ الألمانية في إنتاج معظم أعماله... لا سيما فيلم «ظلال» الذي حققه في مصر (مع ماريان خوري كما أشرنا) حول الأسلوب الفظ الذي يعامل به، رسمياً، أولئك الذين يسمّون عادة، المتخلفين عقلياً.