اتسعت عينا الأم، عندما عكّر صفو الجلسة العائلية مشهد تلفزيوني مثير. حاولت تشتيت دهشة طفلها وهو يراقب عناقاً حميماً بين البطل والبطلة. وسارع الأب إلى تبديل القناة مباشرة. ولإخفاء ارتباكها، دفعت بقطعة التفاح في فم ابنها، ذي السنوات الثماني، وهي تنذره بأن وقت نومه حان! الهروب من الحرج، رد فعل معظم الأهل مع أطفالهم، عندما يتعلق الأمر بالأمور الجنسية... «لا أستطيع أن أصف حالتي عندما سألتني ابنتي السؤال الذي خشيته دائماً، سألتني لماذا أتشارك السرير مع أبيها ولماذا نغلق الباب علينا ليلاً!»، تروي إحدى الأمهات بخجل. وتضيف: « شعرت بالعجز، ماذا أجيب، تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني وما كان مني إلا أن وبختها بشدة كي لا تسأل مجدداً عن هذا الموضوع». ويُعبّر أحد الآباء متسائلاً: «ماذا أقول لابني الصغير الذي لا يزال في الثالثة عشرة ويريد أن يفهم كل شيء، وكيف أشرح الموضوع؟». «هذا الموضوع، ذلك السؤال،...»، بهذه العبارات يشير معظم الأهل إلى تفاصيل الحياة الجنسية بحذر راكمه موروث أخلاقي وتقاليد اجتماعية جعلت من أمور الجنس محرماً أو تابو على الجميع تجنّب التحدث عنه. وإذا تشجّع بعض الأهل وعبّروا عن رأيهم ب «الموضوع» بتحفظ وبما لا يخالف الأخلاق العامة، غالباً ما يستجيب الأطفال لمفاجأة كشف الأسرار وتعرية الحقيقة بخجل مطلق أو صمت مطبق أو ضحكات مكتومة خبيثة. يغيب إذاً مفهوم الثقافة الجنسية، كحاجة وضرورة لتنشئة أجيال المستقبل بطريقة سليمة ومعافاة، عن عموم المجتمع السوري، وهو ما يصنفه بعض المتخصصين بالمسألة الخطيرة كونها تلعب دوراً مهماً في ترسيخ ثقة الطفل بنفسه وبجسده وحصوله على المعلومات من مصدر صحيح، وتجنب تكريس الكبت والممنوع. لا يقف الأمر على الأسرة المؤسسة الأولى المحيطة بالطفل، فبينما يروّج كثير من وسائل الإعلام للجنس بشكله الغريزي، وتخذل المدرسة الأجيال الشابة وتتباين مواقف المدرسين من التلميذ الجريء بين من يصفه بالوقاحة وقلة الأدب، وبين من يقرر تجاوز المشكلة بالإهمال وعدم النقاش وتنبيه التلاميذ لضرورة الانضباط والالتزام الأخلاقي وتجنّب الخوض في مثل هذه المسائل «العيب»!. وإذ تسهل السيطرة على تلاميذ المرحلة الابتدائية تبدو الأمور أصعب بالنسبة إلى اليافعين، الأكبر سناً في المدارس الثانوية بعدما شكلت القنوات الفضائية والإنترنت والمجلات الاجتماعية معلماً بديلاً متفهماً وملبياً الحاجات المتعطشة وبالصور الملونة. ويقول أحدهم: «لم اضطر للتورط بسؤال أحد..عرفت كل شيء بطرقي الخاصة»، ويضيف آخر ساخراً: «أهلي، مستحيل أن يخبروني ولو بعشر الحقيقة». وأخيراً نشرت وسائل الإعلام المحلية مطالبات متفرقة لبعض المهتمين تنادي بضرورة التصدي لهذه المشكلة بدءاً من إدراجها في المناهج المدرسية، وليس انتهاء بوسائل الإعلام. وترى الاختصاصية النفسية هالة منصور، أن الصراحة في نقل المعلومة الصحيحة للطفل هي الأساس السليم للتربية الوقائية من المخاطر الكثيرة التي قد يضطر أطفالنا لأن يعيشوها سراً، والتي قد تنفجر سلوكاً مؤذياً في مراحل متأخرة، وتضيف منصور: «طريقة نقل المعلومة مهمة جداً وتلعب دوراً أساسياً في تقبل الطفل للأمور من دون نفور يكرس أي انطباع خاطئ». وبين العطش إلى المعرفة وحجب المعلومة، ربما لا يزال من المبكر السؤال عن الثقافة الجنسية في مجتمع يشهد نسبة عالية من زواج الصغار بشرع القانون والموروث الاجتماعي كخير دواء يعالج الحرام بالحلال وإن مبكراً جداً.