«ترزي القانون» هو تعبير مصري درج استخدامه لنعت بعض أساتذة القانون أو المشتغلين في القضاء الذين يستغلون خبراتهم القانونية في سن قوانين تفصل «بحسب المقاس المطلوب» للسلطة. ورغم مضي أكثر من ثلاثة عقود على الانتقال من صيغة التنظيم السياسي الواحد إلى صيغة التعددية الحزبية المقيدة في مصر، إلا أنها لم تشهد تحولاً ديموقراطياً حقيقياً، إذ أفضت عملية الانتقال إلى مجرد هامش ديموقراطي يتسع أحيانًا ويضيق أحيانًا أخرى تبعاً لإرادة الحكم. وبالتالي فهو لا يستند إلى أساس ل «دستور ديموقراطي»، ولا إلى تعددية سياسية تشكل ركيزة لانتقال سلس للسلطة. ولهذا كان النظام المصري يمثل نموذجاً لنجاح السلطة الحاكمة في تفريغ عملية التحول الديموقراطي من محتواها، إذ «هندس» هذه العملية على نحو يعزز من قدرته على الاستمرار في السلطة، اعتماداً على من يسمون ب «ترزية القوانين» الذين راج عملهم في العقود الماضية ووضعوا خبراتهم القانونية تحت تصرف النظام لتفصيل القوانين سيئة الصيت التي يتم بموجبها قمع الحريات. هؤلاء كانوا في خدمة السلطة في أي وقت، جاهزون دائماً، وتحت الطلب، وكان لهم الدور الأكبر في التعديلات الدستورية التي أجريت في مصر في 2005 و2007، لتصبح المادة 76 من الدستور المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة بعد تعديلها في خدمة التمديد لمبارك أو توريث الحكم لنجله جمال بعد إزاحة الشخصيات المؤثرة (المستقلين) من طريقهما، على أن تكون المنافسة في الانتخابات الرئاسية «شكلية» نتيجتها معروفة سلفاً. لكن ترزية القوانين وضعوا مصر، وهي الآن تسعى إلى انتقال سلس للسلطة، أمام مأزق دستوري، فكل الصلاحيات تحت تصرف الرئيس مبارك الذي تواجهه موجة من التظاهرات تطالب برحيله، وهو من يقرر حل البرلمان أو إقالة الحكومة أو تعديل الدستور، وإن كان له الحق في تفويض نائب له في القيام بمهماته، لكن ذلك التفويض لا يعطي النائب الحق في فعل أي من الأمور الثلاثة السالفة الذكر. وتصدرت «المعضلة الدستورية» التي تمر بها البلاد الآن المناقشات، ففيما ترى السلطة أن وجود مبارك ضروري، يرفض المعارضون هذا الطرح مؤكدين أن رحيل مبارك لن يذهب بمصر إلى «فراغ دستوري»، وأن الدستور على عيوبه ينظم انتقال السلطة. لكن نائب رئيس محكمة النقض السابق القاضي محمود الخضيري لا يرى جدوى في الحديث عن «المعضلة الدستورية»، معتبراً أن هذا الحديث «عبثي»، فمصر الآن «بلا دستور وشرعية 25 كانون الثاني (يناير) هي الحكم بعد سقوط الدستور». ويؤكد أنه «لا مشكلة في رحيل مبارك الآن»، موضحاً أنه «سيكون علينا بعد تنحي مبارك اختيار حكومة انتقالية وانتخاب لجنة تأسيسية تضع دستوراً جديداً للبلاد يتم بمقتضاه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على نحو نزيه وشفاف». ووفق المادة 76 التي تم تعديلها مرتين خلال عامين، لا يمكن للمستقلين الترشح إلا بعد الحصول على تأييد 250 عضواً على الأقل من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، وهي كلها مجالس يحكم الحزب الحاكم سيطرته عليها، وبالتالي من المستحيل أن يتجاوز المستقلون ذلك الشرط. وتستثني المادة أعضاء الهيئات العليا للأحزاب السياسية الذين مرت على عضويتهم سنة، بشرط مرور خمسة أعوام متصلة على تأسيسها وحصولها على مقعد على الأقل في أي من مجلسي البرلمان.